الفكر الحر منوعات

المتدينون الجدد وجانبٌ من موازينهم المُختلة / بقلم : أشرف غريب

 بعض الرجال – خاصة الشباب المتحمس منهم- يعتقدون أن غيرتهم أو كمالها تكمن في فرض النقاب على زوجاتهم وألا يقبلوا بالحجاب بديلا عنه، وكذلك بعض النسوة – خاصة الشابات المتحمسات منهن- يعتقدن أن الرجل الذي لا يفرض على زوجته النقاب ويرضى بالحجاب بديلا عنه فغيرته ناقصة غير مكتملة، أو ربما اعتقدن أنها منعدمة، بل انظر معي إلى هذين المشهدين:

المشهد الأول: سأل أحدهم صاحبه إن كان سيُلبس زوجته النقاب أم لا؟ فأجابه صاحبه بكل أريحية أن النقاب في اعتقاده ليس فرضا وإنما مستحبا، فإن شاءت لبس النقاب فعلت وهو أشجعها، وإن لم تشأ فلا حرج في ذلك لعدم وجوبه شرعا، فما كان رد صاحبه إلا أن قال منتقصا منه: “لا تنس أننا سنرى وجهها !!!!!!” (وضع أمام هذا الكلام ما لا نهاية من علامات التعجب والاستغراب)

المشهد الثاني: سألت إحداهن رجلا إذا كان سيأمر زوجته بالنقاب، وعندما أخبرها أنه لا إشكال عنده في هذه المسألة – مثل صاحبنا في المشهد الأول- قائلا: “إذا أحبت زوجتي ارتداء النقاب فلها ذلك، وإن لم تحب ارتداءه فالحجاب يكفي ولا إشكال”، فبادرته متعجبة وهي تنظر إليه نظرة دونية كأنه ديوث أو ما شابهه: “وهل من العادي بالنسبة لك أن ينظر الرجال إلى وجه زوجتك؟! مسكينة هذه الزوجة، إنها إن لم تغر على نفسها فلا حول لها ولا قوة !!!!!!” . (وكذلك فلتضع يا صاحب الميزان القويم أمام هذا الكلام ما لا نهاية من علامات التعجب والاستغراب)

لا شك أن هذا التوصيف البسيط الذي ذكرته فوق؛ يرمي بسبابته إلى طائفة معينة من (المتدينين) الجدد الذين بالغوا في الاهتمام بالمظاهر أكثر من كل شيء، بل وجعلوها هي ميزان التقوى والورع والمروءة، كما هو لسان حالهم وإن لم يصرحوا بمقالهم، وحتى لا أطيل أقول:

إن كلام مثل هؤلاء المغرورين بـ (تدينهم) الجديد، الطاعنين من خلال هذا الكلام وقبيلِه في أغلبية رجال أمة محمد صلى الله عليه وسلم (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) لا لشيء ولكن لأنهم لم يفرضوا على نساءهم النقاب ولم يجبروهن عليه إما لاعتقادهم بعدم وجوبه، وإما مراعاة واستجابة لاعتقاد زوجاتهم بعدم وجوبه عليهن، ولأن الرجال الآخرين ينظرون إلى وجوه زوجاتهم ولا يحرك هذا فيهم غَيْرَةً ولا أي شيء، فهم أقرب بهذا إلى الدياثة منهم إلى المروءة والرجولة.

إن كلامهم هذا ومثله للأسف يلزم منه الطعن كذلك في سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، أتدرون لماذا ؟!

لأن النبي صلى الله عليه وسلم – بكل بساطة- كان لا يغار على نساءه كل المدة الطويلة التي مرت قبل أن يُفرض الحجاب، إذ كما هو معلوم أن الحجاب فُرض في مرحلة متأخرة هي المرحلة المدنية بعد ثلاثة عشر سنة من المرحلة المكية ..

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم – بكل بساطة- كان لا يرى بأسا في أن ينظر الرجال الأجانب إلى وجه نسائه طول هذه الفترة ..

ولأنه – بكل بساطة- لم يفرض عليهن أن يغطين وجوههن قبل نزول آية الحجاب ..

ولأنه – بكل بساطة- لم يعمل طيلة تلك المدة بقوله الذي قاله للصحابة عندما ذكر سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه أنه إن رأى رجلا مع امرأته ليضربنه بالسيف: ” أتعجبون من غيرة سعد؟! لأنا أغير منه، والله أغير مني”، وبالتالي أين هي غيرته صلى الله عليه وسلم وهو لم يُغَطِّ وجوه نسائه فترة طويلة؟

هل يا ترى كان النبي صلى الله عليه و سلم ديوثا لا يغار طوال هذه المدة؟

وهل يا ترى كان النبي صلى الله عليه وسلم غافلا طول هذه المدة حتى نزلت عليه آية الحجاب فتنبه ساعتها لغيرته على وجوه نسائه رضوان الله عليهن؟

هل يا ترى كان صلى الله عليه وسلم ناقص الغيرة وكان هؤلاء (المتدينون) الجدد أغير منه؟

وهل يا ترى يستطيع أحدهم أن يزعم لنفسه أنه أغير من النبي صلى الله عليه وسلم، كما زعموا أن الذي يفرض على امرأته النقاب ولا يرضى بغيره بديلا أغير من غيره من رجال عصره الذين كشفت نساؤهم عن وجوههن محتشمات بحجابهن؟

أم هل يا ترى أصحابنا هؤلاء مخطئون في تفكيرهم متشددون متنطعون في الحكم على غيرهم؟

لا شك أن الأخير هو الحق، فلقد رأيتَ فيما رأيت يا قارئ هذه السطور كثرة اللوازم الباطلة – وهي فيض من غيض- التي لزمت من لسان حال القوم أو لسان مقالهم، والنتيجة الآن أبين من البيِّن:

إن “بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم” وإن “ما بُني على باطل فهو باطل”، فبطل ما اعتقدوه من أساسه، وبطلت كفتا ميزان الغيرة عندهم، والحق أن هذه مجرد غفلة وسهو منهم، وإلا فلو كانوا أعملوا عقولهم قليلا ونظروا في القرآن والسنة وإلى حال من اشتهرت عنهم الغيرة في الأدبيات والأشعار حتى بات يُضرب المثل بهم في الغيرة لعلموا أنهم مخطئون، ولما انتقصوا من الغالبية الساحقة من رجال الأمة الغيورين بمجرد الظن، فنحن نعذرهم لغفلتهم وسهوهم إحسانا للظن بهم، وفي نفس الوقت ننبههم وننصحهم ونحتكم معهم إلى الكتاب والسنة كميزانين أرقى من موازينهم العقلية التي استَقت من ثقافات معينة، فظنت خطأ أن تلك الثقافات دين وهي ليست كذلك، فيلزم أخيرا الحرص على إعمال الفكر والتدقيق في الأمور قبل اعتقادها، كما يلزم إصلاح هذه الموازين المختلة.

“إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت” والله الموفق.

 

اترك تعليقاً