الفكر الحر

طريق الآلام

محمد بودويك

كان المغرب الرسمي محقا لما اعتذر بلباقة دبلوماسية ناعمة، وتورية ذكية، عن احتضان ” القمة العربية “، على أرضه، والحال انه ليس هناك من قمة ولا سفح ولا يحزنون، هناك ” الرمة العربية “، وهناك غياب وذهول ونفوق عربي حتى لا نقول موتا لأن الموت رحيم، وهو أجدر بالإنسان في إنيته وكماله وجلاله وحضوره في الكون والتاريخ والعصر.

لو كان احتضن القمة العربية غير المأسوف عليها، ماذا سيقول ” الزعماء” العرب والخليجيون في المقدمة، عن أرض خراب ويباب ؟.

ماذا كانوا سيقدمون من حلول لهذه التراجيديا العربية.. لهذه الكوميديا السوداء الأرضية، كيف كانوا سيحقنون الدماء النازفة والمراقة آناء الليل وأطراف النهار؟، كيف يعيدون الابتسامة للأطفال الشُّعْتِ المغبرين، الحفاة، العراة، المرتجفين كأوراق الخريف، وكالطيور المنزوعة الأعشاش، والملقاة، بدون رحمة، في مهب الضياع، والبرد الرجيم؟.

وهل كانت العرب العاربة، والعرب المستعربة مستعدة للانكباب على الملفات الحارقة بالصدق جميعه، والإخلاص المسئول، ونكران الذات، والاتفاق المبدئي والعملي على إيواء اللاجئين الهاربين، ونصرة ـ بالدواء والماء والخبز والأغطية ـ هذه الآلاف الزاحفة الخائفة المشردة، المقتلعة، الهائمة على وجهها في البر والبحر والصحراء والأسلاك الشائكة، وقضبان القطارات الحديد؟

هل بِمُكْنَة ملاييرها، التي لا تعد ولا تحصى، إنقاذ هؤلاء، والتفكير الجدي المصحوب بالحركية الفعلية والدبلوماسية والمالية، لإعادتهم إلى أرضهم المجزأة، الممزقة، المستباحة من جحافل الإسلامويين شداذ الآفاق، ومن الغرب، وروسيا وأمريكا على حد سواء ؟.

كيف لها ذلك، وأنَّى لها ذلك؟ وهي ترى وتبصر، إن لم تكن مورطة بشكل أو بآخر، في هذا الذي يحدث من دمار للإنسان والعمران، والحضارة العريقة الضاربة في جذور التاريخ والجغرافيا والثقافة، في العراق وسوريا واليمن ومصر مثلا.؟

لقد عودتنا القمم العربية الثقيلة على العقل والذوق والقلب والحس، والكبرياء، على الكلامولوجيا الكثيرة، والبيانات العكاظية الفائضة، والهدر الغزير الذي يهطل مدرارا مخللا بالضحكات، والقفشات، والقهقهات، والتجشؤات على الموائد الغاصة إلى ماوراء التخمة ويزيد، بكل ما لذ من أكل، وطعام، ولذائذ، وشراب، وعلى البلاطات الرخامية والمرمرية اللامعة المتلألئة الأصفى من عين الديكة، وعلى الشاشات الفضية، والقنوات العربية البلهاء في معظمها، التي تمطرق سمعنا، منذ عهد عاد، بالجملة البليدة البائتة الحامضة المسكوكة: ” اتفق القادة العرب على..، وأصدروا بيانا في شأن كذا..تلاه الأمين العام للجامعة العربية “.

ولا جامعة عربية ولا يحزنون، هناك ـ بالمقابل ـ رمة عربية، وجائحة عربية، وشتات، وأنانية مقيتة، و”لا نزل بعدي القَطْرُ”، وغوص حتى النخاع في المال والجمال والتخوت، والطائرات الخاصة، والعشيقات العارضات والممثلات الشقراوات، وغير الشقراوات، اللاتي يُسْفَح على أقدامهن الذهبية، وسيقانهن الضوئية في الليلة الواحدة ملايين الدولارات. واذهب ـ أيها السوري، أيتها السورية، ويا أيها العراقي، والعراقية، واليمني واليمنية، اذهبوا إلى التسول، اذهبوا إلى الموت الذي ينتظركم عند المنعطف.

أية قمم هذه؟، هل أنقذت، من قبل، عربا، هل آمنتهم من خوف، وأطعمتهم من جوع؟، هل أعادت فلسطين؟، هل وزعت الثروات الباطنية الخيالية التي هي ملك الشعب على الشعب ؟، هل أعلت جامعات تكنولوجية ذات تنافسية عالمية؟ فالجامعات الخليجية أمريكية وبريطانية وفرنسية، وعربية في الأخير من حيث كوادرها العلمية، وأساتذتها الباحثون المرموقون؟.

لماذا لم يستطع المال والبترودولار، صنع إنسان عربي متعلم مثقف، مفكر، وعالم ومخترع يطير إسمه في الآفاق والجهات؟.

لماذا لم تفتح دول التعاون الخليجي، أبوابها في وجه المُهَجَّرين، الفارين من ويلات البراميل، وويلات المجازر التكفيرية التي يقترفها هَمَجٌ باسم الإسلام؟، ولها كل الإمكانات المالية واللوجستيكية لإيوائهم، وحفظ كرامتهم، وماء وجوههم إلى حين؟.

وكيف، والحال هذه، ندعي أن الغرب كافر وقاهر، وهو يعقد اللقاء تلو اللقاء، والمؤتمر بعد المؤتمر، مفكرا في وضع وأمر النازحين والفارين وهم يموتون يوميا يجرون صلبانهم على طريق الآلام، وكأن أرجلهم في السلاسل الحديدية الثقيلة الصدئة، من فرط الجوع والبرد الذي هدَّ أجسامهم، وفتت ما بقي لهم من قوة وصبر واحتمال ؟.

الجامعة العربية..القمة العربية، الاتحاد المغاربي، التعاون الخليجي، الصلح العربي، المؤتمر الإسلامي، كلها كليشيهات لغوية تحيل على الخواء والكذب، والضحك، والنفاق، والبهتان، وتصريف الوقت في إيهام الشعوب العربية المغلوبة بأن لها رَبّاً أرضيا يحميها. أما الغرب، والروس والأمريكان، فهم أعرف بنا منا، ويقهقهون وراء ظهورنا، ومن خلف ستار، وفي الممرات، والردهات، يقرعون الكؤوس، ويرحبون بالنموس؟.

 المصدر : موقع هسبريس من هنا

اترك تعليقاً