منوعات

عاشور / قصة بقلم : ألفة النغموش

حينا هو أصغر حي في قريتنا، يستلقي بأبنيته التسعة بين دربين درب “غينان”و درب “مول البغلة”،أطلق عليه أهل القرية إسم حي “مباركة” نسبة إلى بئر مقدسة توجد في مدخل قريتنا، لكن قدسية هذه البئر لا تكمن في مائها، إنما لكونها مجلسا و مرتعا للنميمة، فإذا أرادت نساء و بنات قريتنا نشر فضيحة أو خبر ما، فليس هناك مكان أنسب من البئر، لهذا فهي هبة الله لهن.

بجانب هذه البئر العظيمة يوجد دكان أبخل رجل في القرية، يلقبه أهلها”أبو شوارب”… لا بل”البطيخة” لا… ليس هذا أيضا، انتظروا سأحكي لكم عنه ثم اختاروا لقبا جديرا بهذا الرجل، لأن أهل قريتنا لم يتفقوا بعد على لقب له .عاشور رجل طويل القامــة، حنطي اللون، أنفــه طويل و معـــقوف و عيناه عكرتان، سمين جدا إلى حد أن ملابسه بالكاد تتسع له، و كرشه تتدلى أمامه كبطيخة صيف، اشتعل رأسه و شاربه الكث شيبا، و عششت في دماغه الأفكار الغبية المستعصية على الواقع، له زوجة اسمها صفية، في وجهها طابع الحسن، دائما ما تضفي على الجلسة نسمات رطيبة من الضحك و خفة الروح، و تقبل دعابات الجيران في سماحة، منذ أن أصابها مرض الفضول و هي لا تترك شاردة أو واردة إلا واقتفت أثرها، و قد منحت عاشور ست بنات جميلات، الكبرى أجملهن، بشرتها بيضاء كحجر الخفاف، عيناها عسليتان كبحيرة عسل، دسمة الشفتين، لا يفلح جلبابها المنزلي في مداراة مفاتن جسدها بشكل كامل، لكن عاشور لم يكن راضيا فقد كان يريد صبيا، لذا كلما اقتربت زوجته من الإنجاب يدعو الله و يصلي أن يرزقه صبيا، لكن يبدو أن الله يظل نائيا و أبكم فلم يستجب لدعائه، ففي كل مرة يرزقه الله أنثى كان يمسد شاربيه و يقول” إن الله يعاندني”، لذا أطلق عليه أهل القرية “أبو البنات” لكنه كان يردد بأنه أب لستة أضلع عوجاء، و بجانب صفة البخل فإنه يتمتع بصفة أخرى و هي الخوف، لقد كان يغطيه كعبائة شتوية رغم ضخامته، ففي أحد المرات تشاجر حينا مع درب غينان، و خلال المعركة تقدم أحد من أهل غينان نحو عاشور ليضربه، لكنه قبل يصل سقط مغشيا عليه من كثرة خوفه، تقدمت نحوه فتأكدت أنه قد أغشي عليه فلو كان نائما لأطلق خواره الذي يشبه خوار العجل، و بعد هذه الحادثة  أصبح أهل القرية يسخرون منه كلما رأوه ، و يقولون”إذا جد الجد، فما علينا إلا أن نظهر للعدو أبا شوارب ، و نسحبه من أرض المعركة”، و منذ ذلك اليوم لم أعد أحتمله فلو ربط أحد ما صخرة كبيرة بعنقه و ألقاه في البئر ،لأسدى خدمة عظيمة لحينا و مسح وصمة العار عليه، و أرجع سمعة حينا الطيبة التي أصبحت تلوكها الأفواه، كما أصبحت أتمنى أن أجهز على حياته، خاصة بعد واقعة البئر، ففي أحد المرات و بينما كنت راجعا إلى المنزل بعد يوم حار طويل و شاق، رأيت ابنة ذلك العجوز اللعين قرب البئر تملأ الدلو ماء، كانت واقفة أمامي كمئذنة عثمانية تشع بهاء و روعة، فسحبتني سحبا ككلب ضال ببقايا الطعام، أخرجت منديلا من جيبي و أخدت ألوح لها ، لكنها لم تراني، ثم أخرجت مرآة من جيبي علها تلاحظ وجودي، لا تستغربوا ففي جيب كل صعلوك في قريتنا تجد مرآة ، ويا للكارثة فقد رآني أبوها الجبان البخيل، و أخد يقدفني بشتائم لا يمكنني كتابتها ،أما هـي فقد منعها من الخـروج بــعد وجـــبة دسمة من الـــــركل و الضرب، و بعمله المشين حرمني من لذة الحب ، لذلك أصبحت أصــــــلي على دوام و أدعو الله أن تزور روحه أزمة قلبية أو سكتة دماغية.

اترك تعليقاً