الفكر الحر

      “كلهم شلاهبية وعاش الملك” / بقلم : حسن بوعجب

 ” كلهم انتهازيون  كلهم”شلاهبية” كلهم فاشلون و عاش الملك ، لولا الملك لافترسونا و لضاع كل شيء في هذا الوطن

            هكذا أصبح جل المغاربة يعبرون عن سخطهم على الأحزاب بيمينها ووسطها و يسارها … ، كل الثوار الذين وعدوهم بالكرامة و بالتنمية صاروا وديعين خانعين متنكرين لجل وعودهم ، بمجرد أن وصلوا سدة الحكم المحكوم قلبوا معاطفهم و انطفأت ملامحهم المتوقدة بالنضال ليبدوا أكثر انسجاما مع الوضع الجديد الحافل بالأضواء و الامتيازات و المركبات ، لا يؤلمهم كثيرا أن يفشلوا مادام جميع من سبقهم قد فشل بدوره في تحقيق أحلام الشعب ، المهم أن يأكلوا نصيبهم و ينصرفوا ، فإلى متى سيظلون يناضلون و الهرم قد بدأ ينبههم إلى قرب ساعة الممات ،و يصرخ في ضمائرهم المتعبة :  “لما التشبت بالمواقف و لما الثبات ، حذار من رجولة لا تفيد ،  سيفوت عليكم الموت فرصة الاستمتاع بثمرات نضالكم الطويل، أتتركونها لأولاد ربما أنهم ليسوا حتى من أصلابكم ؟ لا تفكروا كثيرا ،  هناك مبررات بالآلاف  يمكن أن تقنع الشعب بضرورة التخلي عن تلك المطالب العقيمة ، تارة باسم الخوف من المجهول و تارة باسم التعقل وإعمال حكمة الوسطية و تارة باسم التكتيك و مخادعة الدولة العميقة  … ”  المهم إذن وقد حصل ما حصل و ظهر للجميع الفشل أن يتشبتوا كل التشبت  بلحوم مائدة التسيير  و  ينغمسوا في الأكل مركزين خاشعين ، غير مبالين بصرخات الاحتجاج و الامتعاض التي تأتيهم من هنا و هناك ، ليعتبروها ببساطة كلابا تنبح أو رياحا تعوي في جوف الليل البهيم …

      نعم لقد فشلت جميع الأحزاب في ممارسة الحكم و الوفاء بوعودها الانتخابية و بشعاراتها الثورية الرنانة ، حتى أصبح الجميع يرى الآن في كل ثائر جديد مشروع خائن جديد و مشروع متحايل جديد ، بل ومشروع لعنة جديدة تحل على المغاربة لتزيدهم خذلانا على خذلان. و إن من يتأمل المسار التاريخي للأحزاب الخاذلة  هذه  منذ الاستقلال إلى الآن يجد أن كل حزب يؤتى به ، ما يؤتى به إلا لنسف حزب أخر أو تقليم قواه حتى وإن كان صديقا قريبا من المخزن ، فقانون اللعبة هنا يقضي  بأن  يعمل الأخير دائما على مراقبة نمو القوى الحزبية و إبقائها دائما في حالة لا موت و لا حياة ، و في حالة لا يأس و لا غرور ،  حتى يظل بكل ثقله مسيطرا على المشهد و يظل في نظر الرعية الخاضعة هو المدبر الحكيم و الرازق الوحيد و المنقد الوحيد و الورقة الأولى و الأخيرة . وإذا حصل ووصل حزب لواجهة التسيير  لا يكون له إلا أن يجتهد و يتفنن في إتقان مهنة واحدة و هي إثبات أنه فاشل بميزة حسن جدا و عاجز بميزة حسن جدا  وقادر على استقبال كل أمواج الغضب و كل أعاصير البصاق بكل صبر و هدوء و قلة نفس ، لتبقى النتيجة الحلوة المكررة دائما ذاك الخطاب التدمري المتواصل :” كلهم انتهازيون كلهم  فاشلون و عاش الملك ، هو وحده الملجأ  وهو وحده المتكأ ” ،

       إن هذا الخطاب و إن كان يظهر في صالح المؤسسة الملكية إلا أنه يشكل خطرا على مستقبل المغرب على المدى البعيد، فمن جهة يعد فشل الخطاب الثوري السلمي خسارة كبرى للوطن ، بحيث أن فقدان الثقة في العمل السياسي و بقاء أجيال بكاملها خارج التأطير العاقل من شأنه أن يجعلها  في أي وقت من الأوقات المستقبلية أمواجا هوجاء لا تثق في أحد و لا تتأطر بخريطة أو منهاج إذ تهب غاضبة في موقف من المواقف الحساسة التي قد تطرأ على هذا البلد الآمن الصبور ، كما أن فشل الأحزاب أو إفشالها في تحقيق تنمية ملموسة تحسب لها بالحساب الصافي يعد خسارة للمشروع المسمى “الانتقال الديمقراطي” الذي من شأنه أن يضمن انتقالا سلسا و آمنا لسلطات الملك إلى نخبة سياسية عالمة و مثقفة قادرة على إرساء مشروع دولة مدنية يحكمها برلمان عالم و تسودها رمزية الملكية باعتبارها إرثا حضاريا يستحق كل الإعزاز و الإكبار خصوصا لما ستتمكن من نقل الوطن إلى بر الآمان و القانون .

          صحيح أن جل الثورات العربية فشلت و صحيح أن جل خطابتنا الثورية شاخت و استسلمت . لكن هذا لا ينبغي إطلاقا أن يضاعف غرور المخزن فيسترخي مواصلا آليات تحكمه و قمعه ، لأن منطق التاريخ لا يرحم المستبدين أبدا مهما طال ليل استبدادهم و مهما طال  استهثارهم بالتطلعات المشروعة للشعوب ، لذلك فعلى العاقلين الراشدين في دواليب الحكم أن يكونوا رؤوفين بأحفادهم القادمين ، بالعمل أولا على التضحية بكل ما يمكن من أجل إنجاح التجربة الحكومية الحالية عوض التشويش عليها أو محاصرتها و دفعها لمزيد من الانحناء و الانبطاح ، ثم العمل في نفس الوقت على ترك المجال لبروز نخبة سياسية عالمة قادرة على تسيير شؤون الدولة ، بعبارة أخرى نقول لهم  فروا بأنفسكم و بكل ما ورثتموه من ثروات  ، و مدوا لنا يدكم وساعدونا كي نثور عليكم في كل ود و سلام ، وذلك بأن تتركونا نتعلم فن ركوب الحرية، و تركزوا جهودكم كل جهودكم على تعليم الشعب بدلا من تظبيعه و تمييعه ، حتى يصير بالفعل قادرا على حكم نفسه بنفسه و إنتاج نخبة مثقفة عالمة جديرة بمسؤولية التدبير و التسيير . كما أنه ينبغي أن تعلموا جيدا أن شعبا واعيا عنيد أفضل من شعب طيع مضبع قد يكون وبالا عليكم و على الجميع في أية لحظة من لحظات الزمن الغادر .

     نعم لا ينكر عاقل في هذا البلد و لا حتى فقير أو محروم في أقاصي الجبال و المناطق المنسية  طيبة ملكنا محمد السادس ، بل أننا نخجل حتى في التفكير في شيء اسمه الثورة و هو يتولى أمور البلاد ، إلا أنه ينبغي أن نعي جيدا بأن شخص الملك شيء و النظام الملكي ومن يدور في فلكه شيء آخر ، إذ ليس في صالح الوطن أن يبقى المغاربة  دائما  ينتظرون في كل قرن أو في كل نصف قرن ولادة ملك حنون و متفهم و حكيم ، ففي هذه الحالة نرهن مستقبل شعب بكامله بمزاج شخص واحد قد يكون حنونا أحيانا و قد لا يكون بالضرورة كذلك في أحيان كثيرة ، مما يستدعي عوضا عن هذا الاستسلام القدري لما قد يجود به حظ قادم العهود أو لا يجود أن يسارع الحكم الحالي لتمهيد أرضية الانتقال إلى دولة القوانين بدل دولة الأشخاص  ، فكلما تمت المسارعة إلى تنزيل الإجراءات الفعلية المؤدية لهذا الانتقال كلما تم تجنيب البلد احتمالات فداحة ضريبة خطأ شخص مغتر أو خطأ جماعة طائشة قد تجر معها الجميع إلى دوامة من الاقتتال  لا رابح فيها و لا منتصر، لا قدر الله .

     وهكذا فالأفضل و الأسلم للجميع أن يتم التعاون على التغيير الديموقراطي التدريجي الصادق الذي لا يكون بالطبع مجرد إلهاء للشعب  و لا مجالا لقوى التحكم من أجل إعادة التموقع و أخذ الأنفاس و تغيير الأسماء و الأقنعة ، لتخدر مرة أخرى تطلعاتنا المشروعة  بوعود بإعطاء الوعود في قادم العهود و بأغان تصدح هذه الأيام كثيرا في بلادي  :

” نحن نحن استثناء  فنم يا شعب نم حتى يطهى العشاء “

اترك تعليقاً