الفكر الحر

استغلال الدين أم استــــــغلال النزاهة في الســــياسة ؟ / بقلم حسن بوعجب

 

      افترض صديقي لو كان في حيك بقالان : بقال مسلم غشاش و بقال يهودي نزيه ، مع من ستقرر مواصلة التعامل ؟

 أكيد أنك ستختار النزيه بغض النظر عن دينه .

 و لنفترض على نفس المنوال أن في بلدنا حزبا فيه يهود  يتصفون بقيم النزاهة  و آخر فيه مسلمون لكنهم غشاشون نهابون  ، على من ستصوت ؟

 أكيد أنك ستفضل  في الغالب الحزب الذي يضم يهود ، لا لأنهم يهود بالطبع ، بل لأنك تجدهم لا يسرقون مدينتك و لا يتركون شوارعها عرضة للإهمال …

          نعم ثم نعم  لو كان في بلدنا حزب من هؤلاء اليهود النزهاء و الأكفاء لصوتنا لهم لا لكي يلقنوننا دينا يهوديا  لكن لنستفيد جميعا من نزاهتم و كفاءتهم و خبراتهم، فالمريض لا يسأل عن جنسية الطبيب و لا عن دينه، و كذلك المحترق لا يسأل عن  هوية رجل الإطفاء  و لا عن دينه ، المهم هو من سيدفع بتنمية البلد إلى الأمام بغض النظر عن الخلفيات و الايديلوجيات ، مادام الدستور قد حسم و لو شكليا في دين الدولة  . لهذا ينبغي ألا نبالغ بالموازاة  مع هذا الافتراض في اتهامنا للإسلاميين باستغلالهم الدين في السياسية ، فالمغاربة لما فضلوا مرشحين إسلاميين خلال الانتخابات المحلية الأخيرة ليس لأنهم أعجبوا بلحاهم  أو لأنهم   يريدونهم فقهاء يلقنونهم الدين الاسلامي ،  بل لأنهم يتطلعون بالتأكيد إلى الاستفادة  من خصال النزاهة و الاستقامة التي يتصف بها معظمهم ، و التي تجعل منهم في نظرهم المرشحين الأقل إضرارا بمصالحهم و بمصالح جماعتهم المحلية.

   إن النزاهة هنا و إن كان مصدرها وازعا دينيا لا تعتبر دينا يستغل في السياسية بل هي صفة أخلاقية على جميع أطر الأحزاب أن تتنافس في التحلي بها، و ليكن مصدرها حتى دينا أجنبيا  غير معترف به ،  إذ في هذه الحالة عندما سيكون المواطن أمام مرشحين كثر يتصفون أوليا بشرط النزاهة حينها سيمر إلى النظر إليهم  و المفاضلة بينهم على أساس معايير الكفاءة و الخبرة الضرورية لتدبير الشأن العام.

      لكن الخطير هنا هو أنه عندما تتراجع مؤشرات عملة النزاهة في عموم المشهد السياسي ،  قد تصير هذه العملة النادرة رشوة في حد ذاتها ، تقدر بمبلغ مالي عجيب قدره صفر درهم يكون ناجعا لشراء قلوب الناس بالمجان ، خصوصا بعدما صارت الغالبية منهم تأنف من أن تبيع صوتها مقابل المال ، بل أنها أكثر من ذلك لا تأبى إلا أن تنتقم من كل من كل حاول إرشاءها ، فتصوت لصالح المرشحين الذين لم يساوموهم بالمئة درهم أو بالمئتين …

    ولعلنا  كثيرا ما نسمع في هذا الباب عبارات كلها تعاطف  مع هذه الفئة  من قبيل : “هؤلاء على الأقل لا يسرقون “و” هؤلاء على الأقل لا يستعملون الرشوة ” ، فتكون نتيجة  هذا التعاطف الإلتجائي في بعض الحالات هو وصول المترشح  بهذه الطريقة الهوائية _ سواء بنية مبيتة أو بغير نية مبيتة _ إلى منصب التسيير  ليحسن وضعيته الاجتماعية  و يركب أفخم المركبات  دون أن يكلف نفسه ركوب الصعاب و المخاطر من أجل الوفاء بالتزاماته تجاه المواطنين ، ليبقى أقصى ما يمكن أن يقدمه لهم هو  أن  يخرج عليهم كل مرة متفاخرا بكونه لم يسرق ولو ريالا أصفر   .

      صحيح أن من بقي بعيدا عن الفساد و الإفساد في زمن التلوث السياسي يستحق كل التنويه و التقدير ، لكن أن يمن هذا السلوك  و يمعن  في الافتخار به و كأنه يقول لنا إني أتصدق عليكم بعدم سرقة ما تبقى من مخزون دمائكم و شحومكم  ، فذلك يحز في نفوس المواطنين الذين لهم أحلام لا متناهية بعدالة حقيقية و تنمية حقيقية، بعيدا عن إسهالات القهقهة و الرقص أمام الشعب في عز أزماته الحقوقية و الاجتماعية .

     أما فيما يتعلق  باستغلال الدين بحد  ذاته  من غير اقترانه بالضرورة بشرط النزاهة الحقيقية فلا يمكن إنكار استمرار فعاليته مع بعض الفئات المحدودة التي مازلت تستبد بها العاطفة الدينية فتجدها تؤمن بشكل ساذج بمقولة ” من خدعنا في الله انخدعنا له ” منتظرة بذلك من الإسلاميين تطبيق الشريعة الإسلامية كما ينبغي أن تطبق ، إلا أن استغلال الدين هذا رغم كل ما يثيره من لغط ، يمكن منطقيا قطع الطريق عليه بحلين سهلين من الناحية النظرية و هما :

 الأول: هو أن تبادر  مؤسسة إمارة المؤمنين إلى إرساء مشروع دولة فعلي يحترم على الدوام قيم الدين الإسلامي الذي يجمع عليه غالبية المغاربة ،  دون أن تظل هذه المؤسسة  مقتصرة على استغلاله هي الأخرى  في جــوانبه الــمــشرعنة لــحم البــلاد فقط  .

و الثاني : هو أن تبادر الأحزاب التي يغضبها استغلال الدين إلى التنافس في الانتصار له كركن لا محيد عنه في بناء المشروع الحضاري  للدولة ، أو على الأقل عدم التلويح بمشاريع تشوش عليه أو تضربه في الصميم بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

            وهكذا فعندما سنحسم بشكل فعلي واضح في الاختيارات الكبرى للوطن ، و عندما سيتعدد المنتصرون لقينمنا الدينية وعندما سيتعدد النزهاء في عموم المشهد السياسي ، سنصير متفرغين آنذاك لتحكيم الاختيارات العقلية العملية القائمة على تفضيل الأكفأ و الأقدر على البناء التنموي الحضاري للدولة ، بعيدا عن النقاشات و التناطحات الايديلوجية التي تصير في كثير من الأحيان غاية في حد ذاتها يُلهثُ ورائها بشكل أعمى ، ليُترك الأهم الأهم و هو بناء وطن قوي اقتصاديا و اجتماعيا، يستثمر كل الطاقات بغض النظر عن ألوانها و انتماءاتها الحزبية الضيقة .

bouaajeb24@gmail.com    حسن بوعجب

اترك تعليقاً