المزهرية الثقافية

التصوف، روح ديانات الكتاب / حوار الثقافات والأديان” عنوان ندوة دولية نظمتها مؤسسة لسان الدين بن الخطيب بشراكة مع الجامعة الأورومتوسطية بفاس

20171215_151654

  في إطار الأنشطة العلمية والثقافية التي تقوم بها مؤسسة لسان الدين بن الخطيب، نظمت هذه المؤسسة و بشراكة مع الجامعة الأورومتوسطية ندوة علمية دولية في موضوع ” التصوف، روح ديانات الكتاب / حوار الثقافات والأديان” وذلك يوم الجمعة 15 دجنبر 2017م، بالجامعة الأورومتوسطية بفاس.

       وقبل الافتتاح الرسمي الذي كان مساء يوم الجمعة على الساعة الرابعة، تم استقبال الوفود المشاركة في الندوة صباحا بالجامعة الأورمتوسيطة، حيث قدِم الباحثون الشباب في التصوف وحوار الثقافات والديانات المقارنة من إسبانيا والجزائر وموريتانيا والمغرب، وقد أدار جلسة استقبالهم السادة الأساتذة إميل فيرين و مصطفى أقلعي وسعيد كفايتي، وكانت هذه الجلسة فرصة للتعارف بين الطلبة الباحثين وتبادل التجارب أيضا، كما أتيحت الفرصة أيضا لكل واحد منهم للتعريف بمجال اشتغاله ومشروع بحثه، فكان النقاش مثمرا تم من خلاله تبادل الرؤى والأفكار والتثاقف والحوار الهادف.

        وخلال مساء الجمعة على الساعة الرابعة انطلقت أشغال الندوة  – بالقاعة الشرفية الكبرى لجماعة فاس –  في جلسة افتتاحية رسمية أدارها السيد محمد مزين رئيس مؤسسة لسان الدين بن الخطيب، وحضرتها شخصيات وازنة في مجال الفكر والثقافة والبحث العلمي، فبعد تعبير السيد الرئيس عن شكره وترحابه بالحضور وكل من ساهم في تنظيم هذه التظاهرة الثقافية، أبرز سياق تنظيمها وهدفها المتمثل في كشف مظاهر فلسفة التصوف في الأديان الثلاث لتسهيل الحوار والتفاهم بين أتباعها، ثم عرف بالمشاركين في الجلسة الافتتاحية، وهم:

  • السيد رئيس الجامعة الأورومتوسطية؛

  • السيد نائب رئيس جماعة فاس؛

  • السيد رئيس المجلس العلمي بفاس؛

  • السيد نائب رئيس جامعة القروين؛

  • السيد ممثل الكنيسة الشرقية بالفاتيكان؛

  • السيد رئيس الجالية اليهودية بفاس؛

  • السيد رئيس مؤسسة دوتشي الإيطالية؛

      وكان من المدعوين أيضا السيد “أندري أزولاي“مستشار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والسيد والي جهة فاس مكناس لكن تعدر عليهما الحضور.

       هذا، وقد أكد كل هؤلاء المتدخلين خلال الجلسة الافتتاحية على أهمية موضوع التصوف كجسر رابط بين الأديان السماوية الثلاث يسهل عملية الحوار بين الثقافات وتبادل القيم، ويرسخ الإيمان بالتعايش والتعدد الثقافي والديني داخل المجتمع الواحد باعتبار المغرب نموذجا له منذ القدم، فالحاجة إلى التصوف أصبحت ملحة لما له من دور في التربية على الأخلاق  وبناء الإنسان والمجتمع، فلغة التصوف هي لغة الإنسانية جمعاء، ومعناه هو معنى السعادة التي يريدها الله في الأرض، والتي لا تتحقق إلا بنشر قيم العدالة والمساواة والأخوة الإنسانية بين البشر.

       انتهت الجلسة الافتتاحية بحفلة شاي على شرف الحضور، أعقبتها الجلسة العلمية الأولى تحت عنوان” الفكر والممارسة الصوفية في خدمة السلم والتسامح في الديانات الثلاث” بالقاعة ذاتها، والتي كانت من تسيير  الأستاذ محمد مطالسي عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعة الأورومتوسطية بفاس، وقد تضمنت هذه الجلسة مداخلتين علميتين اثنتين، الأولى قدمها الأستاذ الخبير في الديانات المقارنة السيد إدريس الفاسي الفهري بعنوان ” الإحسان أصل مشترك للتصوف وحوار الأديان”، حيث وضح مصطلح الأصل وبين معاني الإحسان ( الصدق والمعروف والإتقان) والتي يُعَبَّر عنها إما بالإشارة أو العبارة مقدما نماذج وأمثلة شاهدة من التراث الصوفي العربي، ومؤكدا على أن التصوف هو المنافسة في نفائس الأخلاق. أما المداخلة الثانية فقدمها الأستاذ خوان خوسي طامايو أستاذ كرسي في علم الديانات عن جامعة كارلوس الثالث بمدريد، معنونا إياها بـ ” التصوف للتغلب على التطرف” حيث بين أن التصوف يساهم في التربية وغرس المحبة في النفس، فهو بذلك طريق لمواجهة كل أشكال التطرف عبر النظر في المشترك من الأخلاق والقيم الرفيعة في كل الديانات الثلاث.

        وخلال اليوم الثاني من الندوة، والذي كان حافلا بالمداخلات العلمية ذات الصلة بعمق موضوع التصوف، استأنفت الندوة أشغالها صباح يوم السبت على الساعة التاسعة والنصف صباحا بالجامعة الأورومتوسطية، حيث أقيمت الجلسة العلمية الثانية تحت عنوان ” النصوص والمعارف في حوار الديانات” وسهر على إدارتها الأستاذ محمد أديوان، وقد شملت ثلاث مداخلات قيمة، الأولى قدمها الأستاذ “فرانصوا زبال”  عن مجلة قنطرة ومعهد العالم العربي بباريس، حيث تناول فيها قضية التصوف والسلفية أمام الغرب في زمن التحديث العثماني. أما المداخلة الثانية فقدمها الأستاذ “ايميليو فيرين” عن جامعة إشبيلية ومؤسسة الثقافات الثلاث بإشبيلية أيضا، وعالج من خلالها طبيعة التصوف الإسلامي من السرد القرآني حتى التجديد المعاصر، ليتناول الكلمة بعده الأستاذ الخبير في حوار الثقافات السيد خالد التوزاني متحدثا عن التصوف وتعايش الأديان ، فبين الأسس التي يقوم عليها هذا التعايش ومستشرفا آفاقه المستقبلية، وما يمكن أن يلعبه التصوف من تعبيد للطريق إلى تحققه. أما السيد عبد الرحيم حافظي الأستاذ الخبير في الإسلاميات وحوار الديانات فهمّت مداخلته حوار الديانات على محك تعقيدات العالم المعاصر مشيرا ومنبها إلى التعقيدات التي يعرفها عالمنا المعاصر باعتبارها معيقات للحوار ومعرقلة له . واختتمت الجلسة باستراحة شاي، لتنطلق بعد ذلك الجلسة العلمية الثالثة على الساعة الحادية عشر والنصف تحت عنوان ” الأعراف الصوفية وقابلية الحوار” على شكل مائدتين مستديرتين، حيث أدار المائدة الأولى الأستاذ حسن محب وقدمت خلالها الأستاذة كريمة نور عيساوي – رئيسة مركز تنوير للتحالف الحضارات بفاس – مداخلة  قيمة تحدثت فيها عن التصوف في الشعر التركي المعاصر، فتطرقت إلى خصائص الشعر الصوفي التركي؛ الشاعر نجيب فاضي نموذجا، متناولة شعره بالدرس والتحليل ، ومؤكدة على دعوة الشعراء التركيين إلى حب الله والتفكر فيه، وعلى وقوفهم ضد الإرهاب ورفضهم للهزيمة أمام الغرب، ثم تدخل الأستاذ سعيد كفايتي رئيس فريق البحث في مقارنة الأديان بكلية الآداب سايس فاس، وقدم قراءة علمية دقيقة في التصوف اليهودي نشأة ومسارا ومفهوما، حيث أكد على أنه لا يمكننا فهم التصوف اليهودي بمنأى عن فهم التلمود والفكر اليهودي عموما، فالتصوف اليهودي – حسب الباحث- عرف نقلة نوعية خلال العصور الوسطى نتيجة احتكاكه بالفكر العربي والتصوف الإسلامي، كما أشار إلى مفهوم “القبالا” والمنهج الإشراقي في التصوف اليهودي والإشارات التي تحيل عليه في التوراة فيما يسمى بأسرار التوراة، كما وقف أيضا عند تاريخ القبالا ابتداء بالعصور القديمة ومرورا بالمدارس القبالية والأندلسية ووصولا لانبثاق حركة الحسديم بعد سقوط الأندلس، وما اشتهر في ذلك من كتب في التصوف اليهودي ككتاب الخلق وكتاب البهاء وكتاب الزُهُر.

         ومن جهتها تناولت الأستاذة آسيا شكيرب عن جامعة الجزائر موضوع التصوف في الديانة المسيحية حيث تحدثت عن مشروع الأخلاق العالمية، ووضحت مصطلحات التعايش والتصوف والرهبنات المسيحية، كما حاولت أن تجيب على ماهية المحبة في المسحية، وكيف يمكنها أن تسهم في التعايش السلمي، متخذة في دراستها هاته الراهب أغسطين  كمثال في التصوف المسحي وابن عربي وجلال الدين الرومي كمثالين على المحبة في التصوف الإسلامي. ليتناول بعدها الأستاذ خالد الصقلي عن جامعة فاس مساهما بموضوع الممارسة الصوفية في الديانات الثلاث ودورها في الحوار العالمي، حيث حدد معنى التصوف في الديانات الثلات وأبرز بعض تجلياته معتبرا الحوار بين الأديان ضرورة من الضرورات لتقدم الحضارات، ومن الأساسيات لتفعيل حوار الحضارات أيضا، ثم تطرق إلى التصوف اليهودي من خلال النموذج المغربي، لتنتهي هذه المائدة بالمناقشة وإتاحة الفرصة للحضور والاستماع إليه؛ ولأسئلته والتفاعل معها من طرف الأساتذة المشاركين. أما المائدة الثانية فقد احتضنتها القاعة رقم 05 وأدارها الأستاذ محمد الشباب عن مؤسسة لسان الدين بن الخطيب، ومن المشاركين بهذه المائدة السيد خوان كارلوس كافير لوبيز أستاذ الفلسفة وخبير في التصوف في شمال المغرب، وقد خص مداخلته بالحديث عن التصوف في منطقة قلعية ( الريف).

        وبعد تناول المشاركين لوجبة الغذاء، استأنفت الندوة أشغالها بعد الزوال على الساعة الثالثة بجلسة علمية رابعة معنونة بـ” أعلام التصوف في الديانات الثالث” ترأسها الخبير في الإسلاميات وحوار الأديان السيد عبد الرحيم حفيظي، وقد عرفت أربع مداخلات، الأولى قدمها الأستاذ ياسين قاسمي عن جامعة السربون ، باريس، تناول فيها شخصية الأمير عبد القادر باعتباره إنسانا كونيا معرفا به ومبينا مظاهر الكونية لديه، في حين تطرقت الأستاذة نفيسة الذهبي عن جامعة الرباط إلى شخصية المتصوف الفاسي أبي المحاسن، لما مثله من محبة وتسامح يستحق الدراسة والوقوف عنده، فعرفت به وذكرت سماته التصوفية ( قبول أهل الدولة والمسالمة والانقياد)  وببعض الجوانب من حياته التي تتجلى من خلالها قيمة المحبة والتربية الخلقية. أما الأستاذ شكيب التازي عن الجامعة الأورومتوسطية فاختار الحديث عن موضوع التواصل في التصوف، مخصصا دراسته للموضوع حول حالة حي بن يقظان لابن طفيل، لتختتم الجلسة بمداخلة قيمة للأستاذ محمد العمراني عن جامعة فاس قدم فيها عرضا عن الممارسة الصوفية عند شيوخ الزاوية الوزانية، تلته مناقشة مع الحضور لمختلف القضايا التي طرحت خلال الجلسة من لدن المشاركين. ليسدل الستار على أشغال الندوة بجلسة ختامية على الساعة الخامسة والنصف مساء، وقد ترأسها السيد رئيس مؤسسة لسان الدين بن الخطيب الأستاذ محمد مزي، والسيد محمد مطالسي عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعة الأرومتوسطية بفاس، والسيدة ابتسام الدحماني  ممثلة جماعة فاس، حيث تم خلالها تجديد الشكر لكل المشاركين والحضور والداعمين، كما تم عرض أهم نتائج الندوة والتي تمثلت في الدعوة إلى إنشاء معهد خاص بعلم مقارنة الأديان والتصوف، والتأكيد على دور التصوف باعتباره مدخلا إلى البحث في المشترك الإنساني ونشر قيم المحبة والإخاء والإحسان إلى الآخر ومعرفته عبر وضع أسس للحوار المثمر المعتدل، سعيا من أهل الديانات الثلاث إلى كلمة سواء تمكن من تحقيق السلام والتعايش بين البشرية جمعاء. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تمت الإشارة أيضا إلى آفاق العمل والبحث في مجال التصوف، حيث وعدت مؤسسة لسان الدين بن الخطيب بتنظيم تظاهرة علمية تعنى بموضوع التصوف كل سنتين وتكون على مستوى عال حتى يتم الدفع بالبحث في مجال التصوف إلى مزيد من الاهتمام به ليحقق الأهداف التي يحلم بها الجميع خدمة لقضايا الإنسان والسعادة البشرية في كل الديانات وكل بقاع العالم.

        وتجدر الإشارة إلى أن فريق البحث في علم مقارنة الأديان بكلية الآداب والعلوم الأنسانية يايس فاس برئاسة الأستاذ سعيد كفايتي، قد قام بعرض كل أبحاثه وإصداراته العلمية  على هامش الندوة للتعريف بها ووضعها في متناول الجميع ورهن إشارتهم.

         وفي الختام تم رفع برقية لجلالة الملك محمد  السادس نصره الله  باسم كل المشاركين علماء وأساتذة وباحثين وطلبة، تعرّف بأهداف الندوة وأشغالها ونتائجها وآفاقها.

20171216_172127

 عبد العزيز الطوالي

 

 

 

اترك تعليقاً