الفكر الحر

عذرا منبت الأحرار حولوك إلى مطرح الأزبال

عذرا عذرا نيابة عنهم يا وطني ، هذا ما تبقى لهم من ذل ووهن ، بعد أن ساوموا و ضامدوا في الخفاء و العلن ، هذا ما تبقى لهم إذن إذ يريدون أن يحولوك رغم أنف حضارتك و عراقتك يا منبت الأحرار يا مشرق الأنوار إلى مطرح أزبال كبير يحج إليه كل فاسد و ضار لم يجد له في الدنيا مكانا ، ليرتاح في ترابك و يلوث مياهك و هواءك ، إنها إذن الأزبال التي تستحقها أيها العلم المرفرف أحمر عاليا بدماء الشهداء ، و إنها خير تحية و خير حفل ولاء يزف لك أمام الجميع على الهواء ، تلك باقة الأزبال التي رفضتها كل البلاد التي تحترم حقوق الإنسان جاؤوا بها ليقولوا لك عانقها أنت و استنشقها أنت و أشربها أنت بأبخس الأثمان ، تلك الأزبال العابرة للقارات تقطع ألاف الكيلومترات في البحار الشاسعة الممتدة لينجو منها أبناؤهم و يتلطخ بها أبناؤك أنت و بناتك أنت ، و يموتوا بالتقسيط في سبيل أن يغتني أكثر من ينهبوك و يغتصبون هوائك و أرضك و بحارك ، فمرحبا إذن مرحبا في هذا الوطن الذي تزكم فيه أنوفنا غير قليل من روائح العفن بباقات الأزبال كلها و بباقات السموم كلها ، مادمنا قد تعايشنا مع كل أنواع السم ، بل وفقدنا حاسة التفكير و حاسة الشم ، مرحبا بها مرحبا و لها منا التمر و الزهر و الحليب ، فيكفينا نحن شرفا و سعادة أن نكون ممن يقع عليهم الاختيار لينظموا بطولة العالم في شم أزبالهم المتحضرة الجميلة .

لا تقلقوا كثيرا- يقول أولو أمر ذبحنا في هدوء -، فهي أزبال محترمة تليق بالمزهرية المغربية الشريفة و نفعها كثير وفير و أجرها نسيم عليل لا يزيد المغربي إلا صمودا و قوة في التركيز و قوة في المناعة ، لا تخشوا عليه من أي مرض فقد عرف بشخصيته الساخرة الشجاعة و ببركته العيساوية الخارقة كيف يروض كل النيران الداهمة و كل السموم القاتلة ليجعل منها بالونا للتسلية و اللعب إذ يولول الخائفون و يهرب المذعورون ، بل وأنك تراه يتفنن و يمرض كل الأمراض و الأوبئة و يجعلها هي من تطلب العلاج و تطرق باب الطبيب …

الأزبال في بلادي أشكال و أشكال ، منها المنتج و الأصيل و منها المستورد و الدخيل ، منها ما نكرهه لكن نتعايش معه بالضرورة و نعتبره جزءا منا و من هويتنا ، مثلما يتعايش كل شخص منا مع رائحة عرقه الكريهة التي تختلط بتنفسه لتصبح مكونا من كينونته البيولوجية و النفسية، ومن الأزبال هذه ما نحبه و نبجله رغم أنه السيجارة التي تنخر القيم السوية، و هي لا تكلف نفسها عناء السفر الطويل للوصول إلينا بل تحلق في خفاء و صمت كطائرة شبح تقصفنا بتشريعات و تنظيرات أجنبية و بمواد إعلامية مسمومة نستقبلها نحن بالأحضان و نتركها حتى في متتاول أطفالنا الصغار ، معتقدين أنها المتعة المفيدة و الضرورة العصرية المحمودة ، إلى درجة أنه لا أحد يمكن أن يعترض أو يثير ضجة على استيرادها ما دامت قد دست في أكلات لذيذة كحقوق الإنسان أو الفن المتحرر أو الموضة المتحضرة الحديثة …. و غيرها من الوصفات السحرية التي تستهدف زبلنة المجتمع برمته و إنتاج أجيال مائعة تتخذ من شخصية بوزبال نموذجا يحتدى في الهروبية و الاستهتار الاجتماعي .

ثم أن ضربات مؤلمة كالأسعار التي هي في تصاعد ،و كالرفع في سن التقاعد ، و كالعمل في الوظيفة بصيغة التعاقد …. ، ما هي في الحقيقة إلا روائح أزبال الفساد الأكبر التي تهدد سلامة الوطن ، و التي تستحق منا وقفة نضال حقيقية عوض الانجرار وراء الفقاعات الإعلامية الهامشية التي ينفخ فيها عمدا أحيانا لتشويش الرؤية و تشتيت النضال الجماهيري بتحويل الاهتمام إلى قضايا هامشية لا يضحى فيها في الأخير سوى بسراق زيت صغير لتبقى التماسيح الكبيرة تسن عن بعد قوانين الظلم الممنهج في عز نهار الديمواقراطية الكرتونية المتعفنة ، مثل ما حدث أخيرا من خلال سن قانون التقاعد الذي يفرض علي و عليك أو على ابنك أو ابنتك الاشتغال ثلاث سنواتأخرى من العمر بأجر أقل و بمعاش أقل من أجل أن يبقى اللصوص الكبار في هذا الوطن الصبور بمنأى مريح من أية امكانية للمحاسبة أو المحاكمة.

إن أجدادنا ما سالت دماؤهم إلا لينال الوطن الكرامة و الاستقلال كاملين، و نحن سنكون لهم خاذلين إن استمر سكوتنا على الفساد بمختلف أنواعه ، و حولنا البلاد لمطرح كبير للأزبال بتهور مادي مقيت ، يعتبر من أبشع ما يمكن أن يقدم عليه الفرد تجاه والديه و بيته و أولاده ، إذ لا يمكن تبريره أو فلسفته تحت أي مبرر كان ، حيث يستحيل و يستحيل أن يقبل أي إنسان ذي غيرة و تمييز تدنيس كرامة الدار مقابل حفنة كبيرة أو صغيرة من المال ، فالسؤال هنا ليس أبدا سؤالا بيئيا محضا يمكن الإجابة عنه بافتحاصات مخبرية شكلية تقلل من خطورة المواد المستوردة على صحة المغاربة ، بل السؤال هنا سؤال أخلاقي حار و حارق لا يقبل أن يحال على المختبر ، هو ذلك السؤال المقدس الحساس المتعلق بعزة النفس و بكرامة المغربي الذي لا يقبل أن يتحول إلى زبال لأي أحد حتى و إن كان هو غارق في أزباله السياسية و الاجتماعية ، فكل واحد منا قد يقبل برائحة عرقه و سموم سجائره أو سجائر مقربيه ، و كل واحد منا لا يأنف بالطبع من تنظيف ملابسه الداخلية ، لكن أن ينظف الملابس الداخلية لذلك الآخرالمستعلي ، فتلك إهانة كبرى يتوجب محاكمة المتسببين فيها مثلما يحاكم من يدنس رموز المملكة و يسيء لمقدساتها.

اترك تعليقاً