منوعات

المجلس العلمي المحلي لإقليم مولاي يعقوب ينظم ندوة وطنية في موضوع” العقيدة الأشعرية بالمغرب : معالم وتجليات”

23

     في سياق الأنشطة العلمية الإشعاعية التي يقوم بها المجلس العلمي المحلي لإقليم مولاي يعقوب، نظم المجلس ندوة علمية وطنية في موضوع ” العقيدة الأشعرية بالمغرب : معالم وتجليات” وذلك صباح يوم الخميس 16 ربيع الثاني 1439 هـ، الموافق لـ 4 يناير 2018م، بمقره بفاس.

     انطلقت أشغال الندوة على الساعة التاسعة والنصف صباحا، وقد تضمنت جلستين علميتين سبقتهما جلسة افتتاحية استُمع خلالها لآيات بينات من الذكر الحكيم، تلتها كلمة السيد رئيس المجلس العلمي المحلي لمولاي يعقوب وكلمة اللجنة المنظمة، وبعد الترحيب بالحضور ( الأساتذة والطلبة الماستر و المرشدون والمرشدات ) تم التذكير بكون العقيدة الأشعرية تعتبر ثابتا من ثوابت المملكة المغربية الشريفة وجب نشرها خاصة في ظل المد السلفي والشيعي الذي تعرفه بعض البلدان الإسلامية  .

     ترأس الجلسة العلمية الأولى الدكتور عمر الإدريسي – عضو المجلس العلمي المحلي لمولاي يعقوب – وقد تضمنت هذه الجلسة خمس مداخلات علمية، الأولى قدمها الأستاذ الباحث في الدراسات الإسلامية عبد العالي بلامين بعنوان ” تجليات البراعة المغربية في نظم العقيدة الأشعرية” حيث أكد فيها على ضرورة البحث في العقيدة الأشعرية والنهل من الشريعة والإبداع لا الابتداع، باعتبار عقيدة الأشاعرة وسط بين النقل والعقل، كما قدم نماذج للبراعة المغربية في النظم الأشعري كأبي الحجاج الضرير وأبي عبد الله محمد العربي الفاسي وعبد الواحد بن عاشر. أما المداخلة الثانية فقدمها الأستاذ الباحث في التصوف الإسلامي خالد التوزاني ، معنونا إياها بـ ” الأشعرية والتصوف الجنيدي : تجليات العقيدة في السلوك” حيث بين أن الهوية المغربية تجمع بين ما هو كلامي وفقهي وصوفي، والتصوف الجنيدي كان مجالا خصبا لتمرير الفقه المالكي وعقيدة الأشعرية، كما تناول خصوصية البحث في العقيدة وصلتها بالتصوف، وتجلياتها في سلوك الفرد. وفي المداخلة الثالثة التي قدمها الدكتور أحمد الشاوف – مدير مركز التوثيق والأنشطة الثقافية بالمركب الإداري مكناس – عالج من خلالها “التأويل عند الأشاعرة : المفهوم والبواعث والضوابط”، فتناول فيها تاريخ علم الكلام بالمغرب( القرن 6 هـ دخول المذهب الأشعري للمغرب)، كما تحدث عن مزاياه كعدم عزل العقل عن النقل والموازنة بينهما، ونوعاه( التأويل الإجمالي والتأويل التفصيلي) وبواعثه المتمثلة في مواجهة المعتزلة، وخدمة العقل للنصوص، ورد دلالة النصوص المتشابهة للنصوص المحكمة، وصرف اللفظ عن ظاهره إلى المحتمل المرجوح، كما عدد كل ضوابط التأويل وأجملها في :

  • كون الظاهر هو الأصل؛

  • كثرة الاستعمال واشتهاره؛

  • عدم مخالفته لأصل شرعي ثابت؛

  • تحقيق التنزيه المطلق لله تعالى في الذات والصفات والأفعال؛

  • احتمال اللفظ ما صرف إليه؛

  • أن يكون المتأول أهلا لذلك؛

  • الابتعاد عن الغلو؛

  • وجود ضرورة شرعية للتأويل.

       ليتناول الكلمة بعده الأستاذ عبد العالي ملوك – رئيس مصلحة التوثيق والأنشطة الثقافية بالمركب الإداري مكناس –  متناولا “المنحى الوسطي في المذهب الأشعري” ، فوضح مفهوم المنحى ( الاتجاه العام) والوسطية ( الاعتدال والخيار الأجود) والمذهب ( أفكار منسوبة لمفكر) والأشعري ( نسبة إلى مؤسس العقيدة الأشعرية أبو الحسن الأشعري)، كما بين مراحل تشكل المذهب الأشعري ( مؤسسه وتلامذته وموجهاته)، وساق أمثلة على وسطية العقيدة الأشعرية في خلق القرآن والذات الإلهية وصفاتها. والمداخلة الأخيرة تقدم بها الدكتور أحمد الورايني – رئيس المجلس العلمي المحلي لتازة –  فهمّت مداخلته أدلة الأحكام العقدية الأشعرية من خلال كتاب أم القواعد وما انطوت عليه من العقائد في منظومة المرشد المعين لابن عاشر الأندلسي الفاسي، وقد عمل على تقديم المنظومة ( 42 بيتا) مذكرا بأهميتها، وبعد الاستماع لها شاهد الحضور شريطا تلفزيا مقتبسا من برامج قناة السادسة كانت هذه المنظومة موضوعا له.

     انطلقت بعد ذلك مباشرة أشغال الجلسة العلمية الثانية على الساعة الحادية عشر والنصف ، سيرها الدكتور أحمد الورايني، واستُهِلت بمداخلة  تحدث فيها الدكتور محمد المهدي رمح – عضو المجلس العلمي المحلي لمولاي يعقوب – عن المصلحة في الخطاب الأشعري، فأكد على دور الشريعة الإسلامية والعقيدة الأشعرية في حماية مصالح الناس في الدارين الأولى والآخرة، فتطرق إلى مصطلح المصلحة لغة واصطلاحا، مبينا أن غنى الفقه الإسلامي حصل بتعدد زوايا النظر في المسائل والمواضيع التي عرضت على الفقهاء الأشاعرة الذين تميزوا بعدم تعليل الأحكام الشرعية وأفعال الله، ومنعوا الأخذ بالعلل العقلية والتزموا بالعلل الأصولية . ثم تدخل الإمام المرشد بالمجلس العلمي المحلي لفاس، وقدم في بحثه العقيدة الأشعرية انطلاقا من واجب التأطير وآليات التنزيل، فأهمية العقيدة، في نظره؛ تقتضي تأطير وتوجيه سلوك العباد، وربط العقيدة بالسلوك العملي لأن المعرفة الذهنية بها غير كافية، وساق في هذا أمثلة كثيرة عن القيم التي أنتجتها العقيدة الإسلامية وتجلياتها في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، فالتوحيد يجب أن يكون ثقافة ومنهجا للأمة ( وحدة الأنصار والمهاجرين، الوحدة السياسية)، ولهذا فغياب مضمون التوحيد أدى إلى اختلاف الأمة ( الاختلاف حول وفاة الرسول ص، ودفنه وخلافته فظهرت الطوائف)، فالعقيدة الأشعرية أثبتت أنها كفيلة بالقيام بدور التأطير والتوجيه وتنزيل آلياته على أرض الواقع، وذلك بجعل مقتضيات العقيدة عوامل موجهة لسلوك الإنسان، ففهم مدلول أسماء الله الحسنى وصفاته مثلا يمكننا من العمل بها واستحضارها في القول والفعل. وقد تناول الكلمة بعده الدكتور عبد الرزاق أورقية – أستاذ بكلية الآداب ظهر المهراز – في مداخلة له عنونها بـ ” خصوصيات المنهج الأشعري في توجيه الخلاف العقدي”، حيث أكد على ضرورة المنافحة عن الثوابت الوطنية والاعتزاز بها، لاسيما إذا نظرنا إلى ما تشهده بلدان أخرى من مآسي بسبب الخلافات العقدية، فالخلاف العقدي في الفروع- حسب الباحث-  أمر محمود وفي الأصول يطرح إشكالات عويصة ترتبت عنها اتسام العقيدة الأشعرية بعدة خصوصيات تميزها عن باقي العقائد والمذاهب الإسلامية كوضع قواعد خاصة بالأشاعرة في الحجاج مكنتهم من المزاوجة بين العقل والنقل موفقين بين أهل الحديث والمعتزلة، وبذلك أسسوا العقيدة على أساس علمي، فكان خلافهم مع المعتزلة خلافا علميا عكس خلاف الخوارج والشيعة الذي كان سياسيا بغطاء عقدي. ليتناول بعده الكلمة الأستاذ جعفر بن معجوز المزغراني  عن المجلس العلمي المحلي لمولاي يعقوب مساهما ببحث اختار له عنوان” الخطاب الأشعري بين قيد التقليد وإمكانية التجديد، حيث أكد على أن الاختلاف المجالي نتج عنه الاختلاف الفكري، إذ هناك من أخذ بالحديث لأنه كان متوفرا عنده، وهناك من أملت عليه الظروف الأخذ بالرأي والعقل، فالعلوم الإنسانية كان لغير المسلمين أثر كبير في نشأتها، فالاحتجاج بالنقل لا ينفع مع غير المسلم، فالمحاججون لاحقا كانوا من الثقافات الأخرى ( علماء وفلاسفة ومناطقة وغيرهم) عكس عهد الرسول (ص) الذي كان فيه الحجاج بالنص بشكل دعوي علوي، وهكذا ظهرت فرقة المعتزلة للرد على المحاججين غير المسلمين والدفاع عن العقيدة، إلا أن انسياقهم مع الفلسفة والمنطق اليوناني بشكل كبير، أدى إلى ظهور فرقة الأشاعرة قصد حماية الفكر الإسلامي من الانزلاق في الفلسفة اليونانية بوضع قواعد تضمن انسجام هذه الفلسفة مع الفلسفة الإسلامية كقاعدة القياس مثلا.

          انتهت الجلستان العلميتان بفتح باب المناقشة للحضور الذين نوهوا بالمبادرة العلمية؛ وما تخللها من عروض علمية قيمة سلطت بعض الضوء عن العقيدة الأشعرية بالمغرب ، وفي الأخير تم الختم بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين من قبل كل المشاركين أساتذة وباحثين وطلبة.

4

عــبـــد العــــزيــــز الــطــوالـــي

اترك تعليقاً