منوعات

وجدة عاصمة الثقافة العربية تحتفي بعلم مقارنة الأديان وتكرم الدكتور أحمد شحلان

      احتضنت العاصمة الشرقية للمملكة المغربية وجدة بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية يومي الجمعة والسبت 13 – 14 من شهر أبريل 2018، الملتقى الدولي الرابع للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان، وقد اختير لهذه الدورة موضوع ” ترجمة النصوص الدينية خطوة نحو معرفة الآخر” تكريما للباحث الكبير المتخصص في الدراسات الشرقية ورائد علم مقارنة الأديان الدكتور أحمد شحلان.

      بعد استقبال الضيوف على الساعة التاسعة صباحا، ترأس الجزء الأول من الجلسة الافتتاحية الدكتور فؤاد بوعلي الذي افتتح الملتقى بآيات بينات من القرآن الكريم، لتتوالى بعد ذلك كلمات السادة:

  • رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة – فضيلة العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة؛

  • مدير مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة – الدكتور عبد الرحيم بودلال؛

  • وحدة الترجمة – الدكتور ميمون الداودي؛

  • رئيس فريق البحث في علم مقارنة الأديان الدكتور سعيد كفايتي – كلية الآداب – فاس؛

  • اللجنة المنطمة الدكتورة كريمة نور عيساوي.

     ليتم بعد ذلك تكريم الدكتور أحمد شحلان بعد مشاهدة فيديو يوثق لأهم محطات مساره الفكري والعلمي. وبعد حفل التكريم ترأس الدكتور سعيد كفايتي الجزء الثاني من الجلسة الافتتاحية  حيث قدم المحتفى به محاضرة قيمة في موضوع” الحداثة في التراث الفكري العربي من ابن حزم إلى ابن رشد”.

     انطلقت أشغال الجلسة العلمية الأولى بعنوان “موقع الترجمة في تاريخ الأديان”، وقد سيرها وافتتحها الدكتور بدران بن مسعود الحسني من جامعة حمد بن خليفة، – الدوحة- جامعة قطر  بكلمة  شكر في حق اللجنة التنظيمية وكلمة ترحيبية وجهها للمشاركين طلبة باحثين وضيوفا. ثم أعطى الكلمة للدكتور عبد الإله بن عبد العزيز بن صالح التويجري من جامعة القصيم في السعودية الذي قدم مداخلة بعنوان : ” ترجمة النصوص الكتابية عند الشيخ جواد ساباط ت 1250 هـ “استهلها بمدخل تعريفي بالشيخ جواد ساباط، ثم بين إسهاماته التراجمية، مركزا على كتاب البراهين السباطية فيما تستقيم به دعائم الملة المحمدية وتنهدم به أساطين الشريعة المنسوخة العيسوية”حيث فصل في محتويات الكتاب عبر ثلاثة مباحث مسماة بالتبصرة، ثم انتقل لبيان دوافعه للأعمال التراجمية وأصالة ترجماته في علم الأديان داعيا إلى ضرورة الكشف عن جهود الشيخ ساباط، وتسليط الضوء على كتابه المذكور سالفا لما يحتويه عليه من نفائس ودرر خصوصا وأن كتابه عرف بمنهجه الرصين الذي تميز بالانفتاح على المنهج التأريخي والأنثروبولوجي الذي أوضح فيه البراهين لدعائم الملة المحمدية، وهدم أساطين الملة العيسوية المنسوخة ، ليتناول الحديث بعده الباحث مصطفى بوهبوه  من جامعة محمد الأول وجدة في مداخلة عنونها بـ ” الترجمة ودورها في مد جسور التواصل بين الذات والآخر” استهلها بطرح مجموعة من الإشكاليات تهم موضوع  الترجمة وماهيتها ، وهل يمكن اعتبارها حلقة وصل بين الذات والآخر ؟ وما الهدف من التواصل مع الآخر ؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به الترجمة لتفعيل هذا التواصل ؟ فحاول الإجابة عن هذه الإشكاليات من خلال نقط أساسية ، تمثلت في التعريف بالترجمة وأهميتها ، وكيف تنشئ الترجمة حلقة وصل بين الذات والآخر متطرقا إلى أهمية الترجمة في تسهيل التواصل بين الذات والآخر ، فخلص إلى فكرة مفادها أن الترجمة تبقى عملية لا يمكن الاستغناء عنها ، فهي جسر تواصل ممتد بين الشعوب والثقافات لا محيد عنه ، وبهذا لا يمكن أن يتحقق أي تواصل أو تبادل ثقافي بدون وجود حركة ترجمة جادة ومثمرة. أما المداخلة الثالثة فهي”تاريخ ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية”ألقاها الباحث حمزة المجاطي من جامعة محمد الأول ـ وجدة، وتناول فيها تاريخ ترجمة القرآن الكريم، وأهم المدارس الاستشراقية التي اهتمت بترجمته، حيث تتبع مسار الترجمات الأوربية للقرآن الكريم ابتداء من ترجمة الراهبان روبرت و هرمان الصادرة سنة 1143م  وانتهاء بترجمة جاك بيرك الصادرة سنة 1990م، موضحا مميزات كل مدرسة على حدة،فخلص إلى ثلاث عشرة ملاحظة حول الترجمات القرآنية إلى اللغة الأوربية ، ومن خلال ملاحظاته أكد الباحث أن ترجمات المستشرقين كانت حرة أكثر من اللازم، مما أدى إلى انغلاق المعنى على القارئ ، و فقدانها لعنصر التأثير والجذب . أما الباحث منير تمودن  عن جامعة سيدي محمد بن عبد الله سايس فاس فكانت مداخلته حول “ترجمات الكتاب المقدس وسلطة التأويل أفقان لتأصيل حوار يهودي مسيحي بداية العصر الوسيط نموذج ترتليان وأوغسطين”، ناقش فيها جهود ترتليان وأوغسطين في ترجمة الكتاب المقدس،          و دور الترجمة في تأسيس ما يعرف بالجدل المسيحي اليهودي، ومن خلال عرضه لأهم ترجمات الكتاب المقدس طرح إشكاليات عدة منها : هل الترجمة كانت نقل للمعنى أم نقل لللفظ؟ وهل المعنى واللفظ شيء واحد ؟ ثم انتقل إلى عرض أهم الأعلام الذين وظفوا المنهج الهرمينوطيقي في ترجمة النص الديني في بداية العصر الوسيط .

     استأنف الملتقى فعالياته صبيحة يوم السبت، بانعقاد جلستين علميتين معنونتين بـ ” ترجمة القرآن إلى لغات أخرى”، و قد ترأس الجلسة الأولى الدكتور عز الدين معميش عن كلية الشـــريعة و الدراسات الإسلامية الدوحة- جامعة قطر،  استهل المداخلات بمداخلة تناول خلالها موضوع “الترجمات العربية للكتاب المقدس في التراث العربي الإسلامي”، حيث تتبع خلالها مسار ترجمة النصوص الدينية عند الآخر، وركز على مسألة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، وكيف وقع الكثير من المترجمين خصوصا المستشرقين  منهم في أخطاء انعكست سلبا على نقل صورة الإسلام للآخر ،  ليفصل بعده الطالب البشير أسعير في إحدى أهم الترجمات الفرنسية للقرآن الكريم من خلال مداخلته “قراءة في ترجمة معاني القرآن الكريم للمستشرق الفرنسي ريجيبلاشير”، مبينا منهج بلاشير في ترجمة معاني القرآن الكريم والذي يفتقر –حسب الباحث-  إلى الموضوعية اللازمة، والأمانة في النقل، إذ يلاحظ قيامه بإعادة ترتيب سور القرآن اعتمادًا على الأهواء والرغبات الشخصية لا على أساس النقل الصحيح عن المصدر ، إضافة إلى تشكيكه في ترتيب السور الذي كان نابعًا من تلك الصورة القديمة التي يحملها غالبية المستشرقين عن القرآن الكريم، وهي الزعم بأنه من تأليف نبي الإسلام، وبالتالي فإن موقف ريجيسبلاشير من القرآن الكريم لم يخرج عن هذا الإطار.

     هذا، وتناول الباحث عبد الله بن سرحان في مداخلته “ترجمة القول الثقيل عند طه عبد الرحمن”، وقد ركز خلالها بدوره على المسار الطويل الذي مرت به ترجمة القرآن الكريم و ما صاحبها من أهداف دعوية و استشراقية ذات توجه تبشيري، سعى الكثير من الباحثين العرب إلى التصدي لها و مواجهتها من قبيل الترجمة التأصيلية للقول الثقيل للفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن.

     على غرار  القرآن الكريم، تعرض الكتاب المقدس بعهديه للترجمة إلى لغات أخرى، إذ ترجمت التوراة إلى العربية من قبل سعديا الفيومي، و قد بينت الطالبة الباحثة أسماء الوردي منهجه في مداخلتها ” منهج سعديا جاؤون الفيومي في ترجمته للتوراة”، أكدت خلالها على ضرورة الاطلاع على النصوص الدينية المقدسة للتوصل إلى صورة واضحة عن الديانة التي تعكسها و خصوصياتها و نظرتها لقضايا الكون و الحياة، مبينة أن ترجمة سعديا الفيومي واحدة من أهم و أشهر البوابات نحو التوراة خلال العصر الوسيط.

     و قد ختم الباحثان بدر الحمومي و يوسف لوميم الجلسة بمداخلة تناولت موضوع ” الترجمات العربية للكتاب المقدس، إشكالية نقحرة أسماء الأعلام، عيسى أنموذجا، (دراسة إتيمولوجية)”، و ركزا خلالها على بيان الخلل الذي أحدثته النسخة المستعملة لاسم المسيح عليه السلام في الكتاب المقدس العربي “يسوع” عوض “عيسو” الأمر الذي أدى إلى قلب المعنى من الدلالة على الهيئة و المهمة و الميزة إلى الدلالة على العقيدة المسيحية  الوثنية.

     ترأس الجلسة العلمية الثانية الدكتور محمد الكوش من جامعة محمد الأول – وجدة، و قد استهلها بمداخلة الدكتور محمد بلبشير، عن جامعة أبي بكر بلقايد، تلمسان- الجزائر،  بعنوان ” ترجمة النص المقدس و تعارف الحضارات مقاربة لترجمة معاني القرآن الكريم”، و قد أكد خلالها الدكتور بلبشير على أن ترجمة النص الديني- القرآن الكريم- وسيلة مهمة لإيصال رسالة الإسلام إلى الناس كافة، و إتاحة الفرصة لغير العرب لتدبر معانيه، مما ينعكس إيجابا على عملية التقريب بين الشعوب و مد جسور التواصل بين مختلف الثقافات. كما تطرق الباحث رشيد البهاوي في مداخلته إلى ” دور ترجمة النصوص الدينية الإسلامية في إثراء اللغة الأمازيغية، القرآن الكريم أنموذجا”، مركزا فيها على التفاعل الإيجابي للأمازيغ مع الحضارة الإسلامية، من خلال ترجمة الحسين جهادي لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الأمازيغية. لتليه مداخلة الباحث توفيق و هيب في موضوع ” ترجمة معاني القرآن بين الاستحالة والإمكان”، وقد تعرض فيها  لأهمية ترجمة معاني القرآن الكريم وأنواع التراجم الحرفية و اللفظية والتفسيرية، ليخلص في النهاية إلى استحالة كل من الترجمة الحرفية واللفظية، و إمكانية الترجمة التفسيرية من جهة التدبر و الإنذار و إيصال مقاصد القرآن و معانيه لغير العرب، ليختم الباحث محمد عوني بدرانعن جامعة النجاح- فلسطين الجلسة بمداخلة تحت عنوان ” القرآن الكريم بلسان الآخر، العبرية أنموذجا”، مشيرا فيها إلى أن ترجمة القران الى اللغة العبرية كانت من محظورات الزمن الماضي لأسباب سياسية في  المقام الأول، ولشح المتمكنين من اللغة العبرية ثانيًا، حيث وقف على ترجمة صبحي العدوي (הקוראן בלשון אחרو التي تعني: القرآن الآخر)، منتهيا إلى ببيان أهمية و أثر مولده و منشئه في الحفاظ على الصور الجمالية و اللوحات البلاغية لمعاني القرآن الكريم.

    أسدِل الستار على فعاليات الملتقى الدولي الرابع للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان بحفل ختامي برئاسة الدكتورة كريمة نور عيساوي بصفتها رئيسة للجنة المنطمة، ألقى خلاله الدكتور بدران بن مسعود الحسني من جامعة حمد بن خليفة، الدوحة- قطر، كلمة نوه فيها بجدية الملتقى و مستواه العالي في التنظيم، كما عبر عن شكره البالغ لكل القائمين على هذا المحفل في مقدمتهم الدكتور سعيد كفايتي و الدكتورة كريمة نور عيساوي، ثم تناول الدكتور عز الدين معميش الكلمة، و قد عبر بدوره باسم كرسي تحالف الحضارات، كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية بقطر، عن سعادته العارمة بتواجده بهذا المحفل العلمي المتميز و الناجح، مشيدا بتميز مداخلات الطلبة الدكاترة. أما الدكتور سعيد كفايتي رئيس فريق البحث في علم مقارنة الأديان بكلية الآداب و العلوم الإنسانية فاس سايس، فعبرعن شكره الجزيل وامتنانه لكل من مركز الأبحاث و الدراسات الاجتماعية و الإنسانية، و كذا وحدة الترجمة بالمركز في شخص الدكتور ميمون الداودي، و للطلبة الساهرين المنظمين و المشاركين على رأسهم رئيسة اللجنة المنظمة الدكتورة كريمة نور عيساوي، التي عبرت في كلمتها كذلك عن سعادتها العارمة نظرا لنجاح الملتقى و إشعاعه خاصة وأنه انعقد بتزامن مع اختيار وجدة عاصمة للثقافة العربية. كما نوهت بمجهودات الطلبة المشاركين الذين أبانوا عن قدرة فائقة في البحث العلمي الجاد بعيدا كل البعد عن قيم العنصرية و الكراهية، وعبرت عن سعادتها بتحقيق حلم تكريم الدكتور أحمد شحلان في مسقط رأس ابنه البار الدكتور سعيد كفايتي، ليختتم الحفل بكلمة الدكتور ميمون الداودي التي حملت معاني التنويه بجهود الساهرين على تنظيم هذا الملتقى.

 

 

اترك تعليقاً