منوعات

و نحن ، ألسنا مهددين بانقلاب عسكري؟ / بقلم : حسن بوعجب

لاشك وأن كل واحد منا وهو يتابع أحداث الانقلاب المفاجئ بتركيا قد أخذه التوجس وتخيل حدوث أمر مماثل في المغرب، أو على الأقل تذكر شبح المحاولات الانقلابية التي خيمت على البلد طيلة سنوات خلت، والتي كانت ستقود البلد إلى مصير عسكري مجهول لولا الألطاف الإلهية التي أرادت له وضعا مستقرا رغم كل ما يعانيه من أزمات اجتماعية وسياسية، فلو حكم العسكر المغرب أو بقيت نبرة الحكم عسكرية ضاغطة أكيد لانفجرت الأوضاع مع هبوب ما يصطلح عليه بالربيع العربي، إلا أن نجاة المؤسسة الملكية وتولي ملك شاب زمام الأمور بنبرة عاطفية متجردة من الخطاب السلطوي أدى بالأوضاع العامة في البلاد إلى أجواء من الانفراج النفسي التي قضت على كل احتمالات الانفجار .
نعم هي نجاة محمودة، لكونها ساهمت في تجنيب البلاد احتمالات أسوء وأفدح، لكن مع ذلك ينبغي أن نسائل أنفسنا جميعا، هل نحن ارتحنا الآن فعلا من هاجس الانقلابات العسكرية أم أن انتهازيا أو متهورا في الجهاز العسكري يمكن في يوم من الأيام أن يعيد فعلة الجنرال أوفقير تحت مبرر من المبررات الكثيرة ؟ الجواب بالطبع قد يبدو في البداية واضحا وهو لا، لأن الملك رئيس الدولة هو نفسه قائد الجيش عكس ما كان سابقا إذ كانت وزارة الدفاع تتحكم بدرجة كبيرة في إدارة المؤسسة العسكرية، لكن مع ذلك لا يمكن أن ننام مطمئنين كل الاطمئنان، مادام أن هناك في كل جيش من جيوش الدول الضعيفة ديموقراطيا قادة عسكريون عرضة للإغراء أو عرضة للإصابة بمرض الطموح للحكم عن طريق استعمال القوة، خصوصا وأن العقلية العسكرية في مثل هذه البلدان تميل إلى الهيمنة والتحكم في ظل اضمحلال الثقافة الاحتجاجية وميل عقلية الشعب إلى ترك المشاكل والخوض في أمور الحكم .
إن العسكر في الدول الضعيفة عدالة وإن كانوا لا يحكمون بشكل ظاهر إلا أنهم يتحكمون في مجريات الأمور في البلاد، وهم يحاولون الاستفادة بأقصى الدرجات الممكنة، بل أنهم أكثر من ذلك يبتزون في الغالب من هو في واجهة الحكم، لأنهم ببساطة يضعون أيديهم على زناد مخازن السلاح وكلمتهم ينبغي ضمنيا أن تسمع وإلا حدث ما لا يحمد عقباه، وهكذا فليس ضروريا خروج العسكر إلى العلن وقيامهم بانقلاب عسكري قد ينجح أو لا ينجح، فالمهم أن يسيروا ويستفيدوا، ولتبق المشاكل والمسؤوليات لمن هو في الواجهة .
وعليه يمكن القول بأننا نحن كمواطني دولة ضعيفة ديموقراطيا نبقى دائما عرضة بشكل يومي لانقلابات صامتة خفية، انقلابات صامتة على مشاريع الإصلاح، حتى على تلك التي قد تأتي من حكمة شريف في قلب السلطة الحاكمة، إذ يتم الإجهاز على التطلعات الاجتماعية والسياسية للشعب بطريقة ناعمة وصامتة في ظل ديمقراطية ضعيفة نسبية تعطي الانطباع ظاهريا بوجود احترام للإرادة الشعبية وبوجود دولة مؤسسات حقيقية .
لكن الأخطر من كل هذا هو أن تعاقب الحكومات الفاشلة أو المفشلة قد يؤدي بالبعض إلى التعويل على الخيرات المتطرفة، التي من بينها القبول بعسكري قد يخرج علينا يوما بتدخل علني مباشر ليدعي الرغبة في الإصلاح، ليبقى الحل الأسلم هو ضرورة قطع الطريق على مثل هكذا تهور، وذلك بمسارعة شرفاء السلطة الحاكمة إلى الاستنجاد بالحكمة والاتفاق على تقديم تنازلات قاسية قبل فوات الأوان بإرساء دولة المؤسسات بشكل فعلي مع عمل كل ما يمكن عمله من أجل ترسيخ الفكر الديمقراطي في المجتمع لإكسابه مناعة شعبية ضد كل محاولة انقلابية عسكرية محتملة، ذلك أن من يربى ليقبل بالاستبداد والفساد سيقبل لا محالة بمستبد عسكري يشهر السلاح في وجه الشعب، كما أنه يتحتم بالموازاة مع هذا الانقلاب الإصلاحي على الذات أن يعاد النظر بشكل صارم في معايير الترقي للرتب الأعلى في الجهاز العسكري، حيث ينبغي التشدد كل التشدد في الانتصار لشروط النزاهة وسلامة الشخصية من العيوب الأخلاقية التي قد تؤدي بالضابط إلى المقامرة بمستقبل الوطن، فمن يقبل الارتشاء ويجعله مصدرا من مصادر رزقه أكيد أنه قد يقبل رشاوى للقيام بانقلاب أو للقيام بقتل متظاهرين سلميين بأمر خارجي حتى يتأجج وضع مسيرة صغيرة وتتحول إلى فتنة كبرى لا قدر الله …
إن الشعب المغربي خلال ما يعرف بثورة الملك والشعب خرج بكل أطيافه منتفضا من أجل إعادة الملك المناضل المغفور له محمد الخامس، وإنه سيكون مستعدا بالتأكيد للخروج متى تطلب الموقف ذلك إن توفرت الأرضية الديمقراطية الحقيقية المشجعة، إذ يتأكد المغربي أن هناك فعلا ما يستحق التضحية في سبيل وطن يعترف بحقوق كل أبنائه في العدالة والعيش الكريم .

اترك تعليقاً