منوعات

تهريب

كانا يترددان على شقة مكتراة بزاوية شارع ” الشيعة ” جهارا نهارا دون مواراة أو تنكر مما درج عليه مسترقو لحظات “المتعة ” الآثمة . فمرة يسبقها ، ومرة تسبقه فيخلوان إلى نفسيهما ساعات كلما سنحت لهما الفرصة و يعاشرها معاشرة الأزواج .

كان الزواج السري مشروطا بعدم الحمل ، و مكتوما عن أهله و أهلها ، فلا يعلم به إلا مالك الشقة ، و شاهدين اثنين من أصدقائهم المشتركين .

كانا معطلين، بعدما نالت شاهدت الماستر ، بينما نال هو الإجازة .كانت سنوات الجامعة التي أمضيا معا شاهدة على حبهما الذي كان شائعا بين الطلبة بالموقع الجامعي الذي درسا به

يكبرها بثلاث سنين، و ينتميان اجتماعيا إلى فرقتين ” قبيلتين ” مختلفتين في الأصل، و من ثم فهما بمثابة أبناء عمومة من بعيد ، في ظل تكافؤ اجتماعي واضح بين أسرتين معدمتين .

أتم دراسته الجامعية بنيل الإجازة في أربع سنين ، و لم يفك ارتباطه بالموقع الجامعي في انتظار أن تجود الدولة بالتوظيف على شباب المداشر التواقة إلى الوظيفة العمومية ، بسبب انحسار الشغل في غيرها .

ظلا على هذه الحال حولين كاملين يمنيان النفس بحصول “حملة للتوظيف” تجمع شملهما .

لم يكونا ليجرؤا على البوح بعلاقتهما و ترسيمها بخطبة كخطوة أولى في اتجاه الزواج ، رغم توالي عروض الخطبة المقدمة ل” سكتو” ، و التي كانت ترفضها بحجة انتظار التوظيف رغم إلحاح الأسرة عليها في القبول. فالعطالة تعطل كل شيء هنا ، إلا المشاعر النابضة بها القلوب ، و البطالة تكاد تبطل كل إستحقاق و لو كان  شرع الله ” في مجتمع يعيش حالة عامة  من الانتظار المقيت، و يضع المتاريس في وجه الشباب الراغب في الزواج ، برزنامة من التكاليف الباهضة ، و يرهن مستقبل الفتيات للعنوسة ويبقى الشباب الراغب في الزواج لقمة سائغة للضياع من كل جانب .

   مجتمع “منافق” لا يرضى عن الراتب بديلا و لا يتصور القوامة لرجل بدون دخل قار من خزينة الدولة وكأن الرزق الذي هو بيد الله  صار بيد ” الخزينة ” في حين يقبل البعض مصاهرة ” البارونات ” و بعض “آكلي المال العام ” وووو….

  و لما أبطأ ” الوظيف ” في المجيء ، و أمام توالي الضغوط الأسرية عليها ، عقدا العزم على الزواج “العرفي” سرا بدون توثيق ، لما قرآ الفاتحة بحضور شاهدين ظنا منهما أن هذا الفعل يقيهما ” شبهة الزنا ” و دخل بها في غياب الأهل و بدون ولي و لا إشهار ، و لا وليمة ، و لا فرح و لا سرور .

فرح بطعم المأساة ، و مأساة تسعى جاهدة لتكون فرحا ، و لكن هيهات هيهات …

أما المهر فقد كان يسيرا ، إذ قدم لها مبلغا زهيدا ، فضلا عن طاقم لباس ( ملحفة، كسوة ، صاك ، ونعل) و تحلت بحلي براق مزور يدعى محليا ب ” لكرانطي ” اقتناه لها هدية في زواجها .

كانت مصروفاته المتواضعة هاته بعض ما تحصل عليه مؤخرا من راتب زهيد يتقاضاه لقاء عمل مؤقت بإحدى الدور الآيلة للسقوط بأطراف المدينة ، اتخذت ” محلا ” لبيع الوقود المهرب و ينفق أغلبه لشراء سجائر رخيصة منفلتة من الرقابة الضريبية .

 وبخصوص مصاريف الكراء للشهر الأول فقد تحملها الشاهدان من باب التضامن الاجتماعي بين الأصدقاء المعطلين .

أما الوليمة فكانت لحما مقترضا لدى بائع الدجاج المجاور ، الذي يبيع خفية لحم ” الكاموز “

 ليعيشا حياة مسروقة ، في انتظار أن تصلح أحوال الناس ، ليجهرا بدعوتهما .

– بقلم  الدكتور بشري إكدر

اترك تعليقاً