منوعات

كيف تصير بطلا في أعين الغرب في ثلاثة أيام / مايسة سلامة الناجي

يعشق الغربي أن تكون من هذه المنطقة بين المحيط والخليج.. مسلما، وتذهب إليه لتروج عبر إعلامه أن النساء هنا  بئيسات مغلوبات سجينات داخل بيوتهن، لا يخرجن إلا بعد حصة جلد من طرف رجل ملتحٍ لإجبارهن على وضع الحجاب.. ستجد ابتسامة ارتياح في وجه الإعلامي الغربي وأنت تصف أفراد مجتمعك بالوحوش الذين يصلبون غير المسلمين ويرقصون حولهم عراة، ثم يشربون نخب دمائهم قبل إقامة الصلاة..

سيفتحون لك قنواتهم وصفحات مجلاتهم إن قلت حرفيا إن الملك يصنع من المعارضين الكفتة ويشويها بعرق الشغيلة ويفطر بهم كل صباح.. ستكون المفضل لديهم إن وصفت عشيرتك بساكنة أسفل المتوسطي حتى تحدد جغرافيا أنهم أسفل الأقدام مع أن في خريطة العالم شيء من حتى.. وأنهم جهلة حفاة عراة رعاة الشاة

لولا أن أنقذنا من أنفسنا الاستعمار.. حينها فقط سيحولونك بجوائزهم وتصفيقاتهم إلى مناضل بطل.

“نعم.. في المغرب وفي دول المنطقة، نعيش آفات تلزمها سنوات إصلاح. نعم.. هناك فقر وقلة عدل.. قمع نعم.. لكن، من يكونوا هم ليملوا علينا ما يجب أن يكون؟”- مايسة

،فالميديا الغربية تعشق أن تحولنا إلى كاريكاتور، صور منمطة متطرفة حد الهذيان، نقاشات منمطة حد الغباء، ملحدة بأكتاف عارية و”تاتو” على الكتف بكلمة حرية وبعض الپيرسيك في الحاجب والسرة تبكي وا مساوتاه ومثليتاه وا إلحاداه.. وتلك المحجبة الممتعضة العصبية بأعين بكحل وحاجبي أبو لهب، تصرخ قبل وبعد كل كلمة عبارة حرام. يستغربون من أن تكون تلك المحجبة هادئة لا تصرخ أو أن يكون ذاك الملتحي مشذب اللحية يرتدي جينز ومبتسما يناقش بأدب.. يستغربون وقد يعتبرونه استثناء لأنه لا يناسب القالب المصاغ لنا، وقد يزعجهم ذاك الهدوء وتلك الابتسامة، لأنهم يريدون التسويق لنا بصورة معينة.. لتباع جرائدهم وتشاهد ،برامجهم.. وينجح الشوو، ولكي يقنعوا مواطنيهم بأن هؤلاء القوم وراء البحار يحتاجون المساعدة. ولأجل مساعدتهم يحتاجون أن نتدخل في سياساتهم واقتصادهم بل وفي بعض الأحيان يتطلب الأمر إنقاذهم بالسلاح. هكذا أكسب بوش الابن الشرعية لاحتلال العراق، هكذا خربوا مصر وسوريا وليبيا.. وهكذا اليوم يحاولون التدخل في المغرب.. لإنقاذنا من جهلنا وتخلفنا والكاريكاتور الذي صاغونا عبره.. والتدخل في البحرين وسلطنة عمان وباقي الدول الآمنة المطمئنة.

لن يروقهم أن تصف واقع النساء في المغرب بالحرات اللواتي يصدح صوتهن بالبرلمان، يواجهن رئيس الحكومة بالصراخ يناضلن لأجل الحياز على مسؤولية بالكوطا أو المناصفة أو الكفاءة.. يحطن بالملك من كل جانب لا كحريم وملك يمين، إنما كمستشارات يأخذ برأيهن ويحملن أسراره. وأن المسألة عند باقي نساء البوادي والمغرب العميق وضواحي المدن والشغيلات والزوجات ليست مشكلة انعدام مساواة، إنما مشكلة فقر وقلة عدل يعاني منها الرجال والنساء سواء.. وأن التوزيع العادل للثروة وقضاء عادلا يحل بسرعة مشاكل الأسر كان لينقذ النساء والرجال سواء من ظروف مزرية. وأن المرأة العاملة تشتغل حتى تعبت من الحرية ـ تلك التي روج لها الغرب عندنا بالغصب. وأن مفهومنا للحرية والمساواة مختلف، لأننا مختلفون وقيمنا مختلفة ولا يمنع هذا من أراد اعتناق الحرية بمفهومها الغربي أن يعيش وسط مجتمعنا لأننا متعايشون.. أننا نتعايش مع اليهود لعقود في سلم. وأن ما يحدث من فلتات هجوم على فئات يحدث في أمريكا على يد أمريكان مسيحيين وملحدين قبل أن يحدث في المغرب أو مصر.. تبقى فلتات وليست الأصل..

لن يعجبهم أن تقول لهم إنه قد أصبح لنا صوت مسموع ينتقد أهل السلطة وخطابات الملك ويراقب المال العام.. وإن المسألة ليست هوياتية فنحن نعتز بديننا، إنما سياسية محضة، وإن خوض معارك مع السلطة كان قبلهم حين كانوا يعيشون عصور الظلام مع الكنيسة الكاثوليكية ونحن نعيش عصر الأنوار، وسيظل بعدهم.. فهذا ديدان شعوب هذه المنطقة، أنظمة وإمبراطوريات تعلو وأخرى تسقط وتعيش الشعوب. وأننا اليوم نحاول بما لدينا من وسائل مناظرة النظام على حقوقنا دون إفساح طريق لهم وللتآمر الغربي على بلداننا. وأننا نعلم أنهم لا يريدون نشر نسختهم عن الديمقراطية والحرية لسواد عيوننا، فهم لا يحبون سواد عيوننا كثيرا، إنما لمصالحهم وفقط.

طبعا لا يمكن أن تقول هذا في الإعلام الغربي وإلا ينظر إليك على أنك كاره حاقد للغرب.. وقد يرتابون منك.. لأنه ليس خطاب الموضا الذي صنعوا.. خطاب الموضا الذي يمنع حتى كبار صحافييهم وكتاب الرأي لديهم من مخالفته.. من معارضة طريقة حديثهم عن المسلمين.. من معارضة تسليح الديكتاتوريين.. من معارضة جرائم حرب إسرائيل.. فأنظمتهم تصنع الرأي حسب مصلحتها، وعلى الصحف والقنوات الالتزام.. والناس يبلعون الطعم.. فيظنون أنهم ينعمون بحرية تعبير، ويسائلوننا نحن عن الحرية!

نعم.. في المغرب وفي دول المنطقة، نعيش آفات تلزمها سنوات إصلاح. نعم.. هناك فقر وقلة عدل.. قمع نعم.. لكن، من يكونوا هم ليملوا علينا ما يجب أن يكون؟ هم اليوم القوة الإمبريالية وفقط.. ولا أحد يقنعنا أنهم هم اليوم يد الله العادلة في أرضه! ماذا يستفيد المعارض هنا من تصفيقات غرب لا يهمه إلا مصالحه، وما يستفيد من أن يحولوه إلى بطل وقد فتح لهم طريقا للتدخل في بلده.. وما يستفيد المحتمي بهم وقد تحول إلى “كركوز” في أيديهم يقضون به وطرا ليدخلوا الفتنة ويسيلوا دماء شعبه؟ بل لهم دينهم ولنا دين إلى يوم الدين.

اترك تعليقاً