منوعات

تناقضات مغربية حادّة / رأي موقع القدس العربي

شهد المغرب في الأيام القليلة الماضية عدداً من الأحداث الغريبة التي تناقض بعضها بعضاً، ففي حين كانت قطاعات مدنية ومؤسسات مغربية تحتفل باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني قام «ناشطون» بزيارة لإسرائيل ولقاء عدد من قادتها ومنظماتها، ورغم الاحتجاجات الشديدة التي حصلت على هذه الزيارة فقد تحدثت مصادر إسرائيلية عن قيام وفد آخر بزيارة مماثلة في نهاية الشهر الحالي.
وفي الوقت الذي كان كل من يتمنون الخير للمغرب سعداء بنجاح العملية الانتخابية مجدداً من دون هزّات سياسية، وتكليف الملك لرئيس الحزب الفائز بتشكيل الحكومة رقم 31 في تاريخ المغرب الحديث، بدأت الغيوم تلوح في الأفق من خلال رفض بعض الأحزاب اليسارية لقاء الرئيس المكلف للتشاور حول تشكيل الحكومة، ولجوء البعض الآخر إلى محاولة تعجيز متقصّدة لمنع تشكيل الحكومة وإظهارها الحزب المكلّف بمظهر الضعف رغم الشرعيّة الانتخابية التي حصل عليها وهو ما أدّى إلى بوادر أزمة تشريعية وتأخير في إقرار ميزانية المملكة لعام 2017 وبالتالي إلى ارتفاع في مؤشرات البطالة والعجز التجاري والمديونية وأسعار السلع في ظلّ تحدّيات اقتصادية كبيرة أهمها ارتفاع أسعار النفط والدولار.
وكانت آخر الإشكالات السياسية المؤسفة التي تصبّ النار على أزمات المغرب ما قام به وزير خارجية تسيير الأعمال صلاح الدين مزوار، عضو حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو الحزب الذي اتهم رئيسه، عزيز أخنوش، بعرقلة تشكيل الحكومة، ووجّه حزب «العدالة والتنمية» انتقادات حادّة له.
فعلى عكس الأعراف السياسية في العالم كلّه قام مزوار بمناقضة تصريحات رئيسه بنكيران الذي ندّد بالتصعيد العسكري الذي يقوم به النظام السوري وحلفاؤه في حلب وحثّ روسيا على أن تكون «قوة لحلّ الأزمة في سوريا لا أن تكون طرفاً فيها» متسائلاً «لماذا تدمر روسيا سوريا بهذا الشكل؟»، وهو الأمر الذي ردّ عليه مزوار عمليّاً من خلال تصريح أكد فيه للسفير الروسي في الرباط «احترام المغرب دور وعمل روسيا في الملفّ السوري».
المشكلة في تصريح مزوار أنه لا يتناقض مع رئيسه المباشر فحسب، بل يتناقض أيضاً مع الموقف الرسميّ المعلن للمغرب وحلفائه الغربيين، في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وكذلك يتناقض مع مواقف حلفاء المملكة العرب كالسعودية ودول الخليج العربي.
وإذا كان التناغم مع مواقف الحلفاء الغربيين والعرب غير مهمّ بالنسبة لمزوار فما هو يا ترى موقفه كإنسان، وليس كشخص مكلّف شؤون الدبلوماسية المغربية، من حصار مدن وتجويع سكانها واستهدافهم بالصواريخ والقذائف والغازات السامّة وقصفهم عندما يهربون واعتقال المئات منهم، وهل يمكن، في سبيل استرضاء السفير الروسيّ أن يسيء لشعب عربي مسلم يتلقى كل ما يتلقاه لأنه طالب بأقل بكثير من الديمقراطية التي جاءت بهذا الوزير إلى السلطة؟
المشكلة في التناقضات المغربية التي نشهدها، وخصوصاً في موضوعين نازفين كفلسطين وسوريا، أنّها لا تسيء للوزير وحزبه، بل تسيء للمملكة المغربية ككلّ وتجعلها مثالاً لممارسات الكيد السياسيّ الذي لا يهمّه استقرار البلاد وشعبها واقتصادها وهويتها الاجتماعية والدينية.
تهزّ هذه التناقضات الصورة الزاهية للمملكة المغربية وتسيء لها كدولة قوية جذورها ضاربة في أعماق التاريخ، وتؤدي، في تجرئها على رئاسة الحكومة، ليس للإساءة لهذه الحكومة بل لكل التجربة الديمقراطية وتطال، من حيث تظنّ أنها تلعب على التناقضات بين مؤسستي الحكومة والملكية، كل أسس الحكم في المغرب.

المصدر: القدس العربي

اترك تعليقاً