مقالات نقدية

هل يحتاج بنكيران للتهديد بعودة الربيع ؟

/بقلم  حسن بوعجب/

هبت رياح ما يصطلح عليه بالربيع العربي على المغرب لتدفع بسفينة حزب العدالة و التنمية إلى خضم التسيير الحكومي وبوأتها مكانة متقدمة في تشكيلة البرلمان ، إلا أن رئيسها السيد عبد الإله بنكيران رغم كل هذا الجميل  يفضل أن يتعامل دائما بذكاء و دهاء مع هذه الرياح المخيفة . فهو من جهة كان قد وقف في وجهها في البداية ليربح بعضا من رضى السلطة و ليربح في الوقت نفسه اندفاع المغاربة نحو التغيير و تجريب عشبة علاجية جديدة لعلها تكون البلسم الشافي من كل الأزمات التي راكمها المغرب منذ عهد الاستقلال إلى الآن ، خصوصا و أن بعضا من قيادات الحزب شاركت بشكل شخصي في الحراك الشبابي لحركة عشرين فبراير مما خلق جوا من التعاطف مع الحزب مادام لا يعارض بشكل كامل هذه الحركة بل  يتناغم بطريقته الخاصة مع مطالبها في التغيير و محاربة الفساد و الاستبداد .

     والآن وبعد أن اطمأنت السلطة بابتعاد أمواج الربيع  ، و بعد أن أصبح دور بنكيران ككابح لحركة الجماهير الشعبية متجاوزا ، ها هو نراه بكل احترافية خطابية يحذر من عودة هذه الرياح بعدما بدأ يحس بتراجع عذريته السياسية و قيمته  الرمزية الإطفائية ،  في ظل تبلل الشارع و برودته و عدم قابليته للاشتعال مجددا مهما تم الرفع في الأسعار ، و مهما تم قمع المواطنين و مهما تعددت حالات الانتحار احتراقا على الطريقة البوعزيزية  ، فالكابح هنا ليس  شخصا جديدا يأتينا ليلهينا مجددا بوعود نصدقها  في انتظار وعد جديد، بل هو خوف ذاتي متنام  من الفتنة ، تغذيه يوميا مشاهد  الدمار و الخراب  لدى شعوب غامرت وأرادت أن تسقط النظام فأسقطت مجتمعات بكاملها في دوامة من القتل و التقتيل لا رابح فيها و لا منتصر.

      لهذا نقول لكم لا تهددوا سيدي الرئيس بعودة الربيع الجارف ، لقد استسلم الشارع لقدره و لا داعي للتلويح بهذه الورقة في وجه الحكام الحقيقيين ، نحن كلنا ولاء و نحن كلنا رضى بواقع الوطن ، ما مادام يصحب فيه أرواحنا البدن ، و مادم هناك بعض الأمن  نتعشى به و ننام في كل اطمئنان مفترشين جراحنا و خيبات آمالنا المتكررة  … ، فأرجوكم  دعونا ننام ، لا تتاجروا مجددا بغرائزنا الثورية و لا بأحلامنا التقدمية ، فنحن ما عدنا راغبين في تغيير قد يلقي بنا للمجهول و ما نحن عدنا قادرين على بناء أي أحلام قد ترتفع بنا في سماء الأمل مرة أخرى لتسقطنا حطاما يتحطم للمرة الستين  على أيديكم أو على أيدي غيركم …    

     و نظن أيضا فوق كل هذا و ذاك أنكم لستم بحاجة إلى تخويفهم من  إمكانية خروجنا من جحورنا مرة أخرى، فحتى الانتخابات المحلية  التي جرت بعد خفوت رياح الربيع   قد بوأكم فيها المغاربة مرتبة متقدمة ، لم يكن حتى مخيالكم الطموح يتجرأ على توقعها أو الحلم بها  بعد كل ما أقدمتم عليه من تدابير لا شعبية ، و بعد كل تنكركم لجل وعودكم بشأن محاربة الفساد و الاستبداد . مبروك لكم إذن فلقد رشوتمونا و اشتريتمونا بمبلغ مالي ضخم قدره صفر درهم ، حتى إنكم  جعلتم من النزاهة رشوة من طراز رفيع لا سابق له في الدنيا، أي صارت لديكم وسيلة فقط  لشراء قلوبنا و أصواتنا لا شرطا أوليا مفروضا في أي مرشح للمرور إلى القيام بماهو مطلوب فعليا في تدبير الشأن العام  ، و هو الوفاء بالالتزامات تجاه المواطنين أو الانصراف بعز و كرامة . أشبعتمونا مناظرات و مناظرات لنكتشف في الأخير  أنكم تريدون أن تبشرونا   بتحقيقكم إنجازا عظيما تاريخيا هو أنكم طيبون و نزيهون و أنكم رغم كل تملكون من سلطة  مستضعفون و مستهدفون  … ،  و حقا استطعتم  أن تقنعونا ببقاء الشعب كل الشعب في لائحة الانتظار  مراهنا  في أحسن الأحوال على أظرف الأشرار و أقل الأضرار و على جود قد يأتي من هناك أو لا يأتي ، و أضحى الجميع يؤمن يقينا  بأن المسؤول الحكومي الجيد جدا هو ذاك الذي لا يصفعنا كثيرا ، و هو ذاك الذي يتصدق علينا  بعدم سرقته  كثيرا  لخزينة دمائنا و شحومنا  ، فلا تنمية نطلبها إذن و لا تقدما نأمله ، فقط كفوا عنا أيديكم و أغلقوا علينا أفواهكم و دعونا نفتح عقولنا و كتبنا بحثا عن نور عوض أن تبحثوا مرة أخرى عمن يثور …

اترك تعليقاً